02 نوفمبر 2024
نضال نسوي يخرج على نخبوية الصالونات
تتلعثم عاملة المصبغة، مود واتس، عندما تجد نفسها من دون أن تخطط أمام لجنة برلمانية، مهمتها الاستماع إلى شهادات ناشطات يطالبن بالحق في الاقتراع. إنها لندن 1912. عاملة المصبغة، كما يصورها فيلم "سافراجيت" عن الحركة النسائية البريطانية الشهيرة المطالبة بالحقوق الاجتماعية والسياسية للنساء، ليست مسيسة، ولا تعرف من العالم سوى عملها في المصبغة، منزلها وزوجها وابنها. يسألها البرلماني عن سبب توقها لنيل الحق في الاقتراع، فتقول مود التي وجدت نفسها منضوية مصادفة في الحركة، مدفوعة بمظلومية اجتماعية وتحرش رب العمل: "لم أفكّر يوماً أنني قد أحصل على هذا الحق. اعتقدت أن الحياة ربما قد تكون أفضل مما هي عليه الآن".
حصد فيلم "سافراجيت"، للمخرجة ساره غافرون، انتقادات واسعة، اعتبرت أنه أهمل الجانب النضالي السياسي لسيرة نساء الحركة، المتحدرات، في غالبيتهن، من طبقات اجتماعية متوسطة إلى راقية، ليركز عوضاً عن ذلك على رومانسية قصة عاملة المصبغة، ونضالها غير السياسي المتجذر في وضعها الاجتماعي الهش. أراد الفيلم أن يبعث رسالة واضحة من هذا الاختيار، هي أن الحقوق السياسية لا يمكن أن تنفصل عن تلك الاجتماعية، والتي يجب أن تشكل الأولوية في النضال النسوي. يبدو اختيار بطلات الفيلم أفضل تجسيد لهذه الرسالة: زعيمة الحركة الأرستقراطية (تؤدي الدور ميريل ستريب) لا تظهر سوى دقائق، لتوجه خطابا إلى المتظاهرات، قبل أن تختفي هرباً من ملاحقة الشرطة. تعمل بطلة الفيلم في المصبغة منذ سن السابعة، تتعرّض للتحرش الجنسي من رب العمل، لا تتمتع بأي حقوق في رعاية طفلها، إلى درجة أن يقرر زوجها منح طفلها لرعاية عائلة بالتبني، من دون علمها أو موافقتها. زميلاتها في المصبغة يعملن ساعات طويلة في ظروف غير صحية، يتعرّضن لضغوط رب العمل، وأحيانا تحرشه، يتقاضين أجوراً بسيطة، يعملن بصمت خوفاً من ردات فعل رب العمل، ومن إمكانية فصلهن إن رفعن رؤوسهن. يبتعد الفيلم عن رواية تفاصيل النضال السياسي النخبوي، ليركز على عبودية النساء لرب العمل (في حالة العاملات الفقيرات) وللزوج في كل الحالات، حيث لا سطوة لهن على تربية الأطفال وحضانتهم، وما تملكن من أموال عن طريق الإرث العائلي.
لا نقاشات نخبوية، ولا لقاءات صالونات. يصور الفيلم النشاط الميداني لنساء الحركة التي تتحول من المطلبية السلمية إلى استخدام العنف، مستهدفة، بشكل خاص، الملكية الخاصة، كالمنازل الفارغة للمسؤولين الحكوميين، مبرّرة الأمر بفشل الأسلوب السلمي في تحقيق الضغط الكافي من أجل التغيير. يبدو التضامن بين النساء، على اختلاف أوضاعهن الاجتماعية، عاملا أساسيا في قدرة الحركة على الاستمرارية، ولو أن المهام الأكثر خطورة تبدو ملقاة على عاتق العاملات الفقيرات منهن. يعبر هذا التضامن حدود الحواجز الطبقية بين الناشطات النسويات، ليجمع بين العاملة المهمشة والصيدلانية المثقفة التي أصرت والدتها على تعليمها وزوجة السياسي المحافظ التي تأخذ على عاتقها تشغيل ابنة إحدى عاملات المصبغة، لإنقاذها من مصير التحرش الجنسي على يد رب العمل.
يجمع بين هؤلاء النساء العمل الميداني، من دون نقاشات نخبوية، أو انقسامات سياسية قد تفرق
بينهن. يبدو تضامن هؤلاء النساء ظاهرة غريبة للأخريات المنسجمات اجتماعياً، واللواتي ينظرن إلى نضال هؤلاء النساء باعتباره خروجاً عن عادات المجتمع وتقاليده، وعن دورهن زوجات وأمهات، يستحققن الاعتراف بهن فقط في حدود أدوارهن الضيقة.
لا تشبه هؤلاء النساء سيدات صالونات الحركة النسائية، اليوم، المتأنقات من نساء "النخبة"، واللواتي قد يشكل الدفاع عن حقوق النساء، بالنسبة لعدد كبير منهن، مناسبة لتحصيل الشهرة الذاتية. كما لا تشبهن نساء نخبة الأنظمة اللواتي يشكلن فرصة للأنظمة الديكتاتورية لبعض التعويض عن انتهاكاتها الجسيمة للحقوق والحريات. فلا بأس من تعيين بعض النساء، من النخبة الحاكمة نفسها، في مناصب وزارية رفيعة، أو انتخابهن أعضاء في البرلمانات، طالما أن الاعتراف بحقوقهن في التمثيل السياسي سيسبغ بعض الوجه الإنساني للنظام، وقد يمنحه بعض الثناء من الداخل والخارج.
لا يشبه التضامن بين نساء الفيلم، أيضاً، المنافسة المريرة بين النساء على مراكز السلطة، والتي غالبا ما تستخدم الدعم الذكوري طريقاً لا بد منه للترقي، خصوصا أن هذه المراكز العليا غالبا ما تكون محدودة العدد بالنسبة للنساء، ولا تنجح في تقديم نموذج بديل عن الأداء الذكوري في هذه المناصب.
حسناً فعل فيلم "سافراجيت" في إغفاله الخطاب السياسي للحركة النسائية، مقابل التركيز على النضال الحقوقي والاجتماعي لنساء الحركة. هل غيّر حق الاقتراع للنساء العربيات من أوضاعهن الاجتماعية، بما يتجاوز الفولكلور الانتخابي في مراكز الاقتراع؟ هل بدّل وصول النساء إلى مراكز القرار السياسي، سواء في الحكومات أو البرلمانات، من أوضاعهن الحقوقية في ما يتعلق بالحق بمنح الجنسية لأطفالهن، أو تشديد العقوبات لمرتكبي العنف المنزلي ضدهن، وصولا إلى ما تسمى جرائم "الشرف"؟ البداية من هنا، من الحقوق الاجتماعية الأساسية التي ناضلت بطلة "سافراجيت" للحصول عليها من حيث لم تخطط، وهي بذلك تشبه آلاف النساء في العالم العربي، في نضالهن البسيط وغير النخبوي، من أجل "حياة يمكن أن تكون أفضل".
حصد فيلم "سافراجيت"، للمخرجة ساره غافرون، انتقادات واسعة، اعتبرت أنه أهمل الجانب النضالي السياسي لسيرة نساء الحركة، المتحدرات، في غالبيتهن، من طبقات اجتماعية متوسطة إلى راقية، ليركز عوضاً عن ذلك على رومانسية قصة عاملة المصبغة، ونضالها غير السياسي المتجذر في وضعها الاجتماعي الهش. أراد الفيلم أن يبعث رسالة واضحة من هذا الاختيار، هي أن الحقوق السياسية لا يمكن أن تنفصل عن تلك الاجتماعية، والتي يجب أن تشكل الأولوية في النضال النسوي. يبدو اختيار بطلات الفيلم أفضل تجسيد لهذه الرسالة: زعيمة الحركة الأرستقراطية (تؤدي الدور ميريل ستريب) لا تظهر سوى دقائق، لتوجه خطابا إلى المتظاهرات، قبل أن تختفي هرباً من ملاحقة الشرطة. تعمل بطلة الفيلم في المصبغة منذ سن السابعة، تتعرّض للتحرش الجنسي من رب العمل، لا تتمتع بأي حقوق في رعاية طفلها، إلى درجة أن يقرر زوجها منح طفلها لرعاية عائلة بالتبني، من دون علمها أو موافقتها. زميلاتها في المصبغة يعملن ساعات طويلة في ظروف غير صحية، يتعرّضن لضغوط رب العمل، وأحيانا تحرشه، يتقاضين أجوراً بسيطة، يعملن بصمت خوفاً من ردات فعل رب العمل، ومن إمكانية فصلهن إن رفعن رؤوسهن. يبتعد الفيلم عن رواية تفاصيل النضال السياسي النخبوي، ليركز على عبودية النساء لرب العمل (في حالة العاملات الفقيرات) وللزوج في كل الحالات، حيث لا سطوة لهن على تربية الأطفال وحضانتهم، وما تملكن من أموال عن طريق الإرث العائلي.
لا نقاشات نخبوية، ولا لقاءات صالونات. يصور الفيلم النشاط الميداني لنساء الحركة التي تتحول من المطلبية السلمية إلى استخدام العنف، مستهدفة، بشكل خاص، الملكية الخاصة، كالمنازل الفارغة للمسؤولين الحكوميين، مبرّرة الأمر بفشل الأسلوب السلمي في تحقيق الضغط الكافي من أجل التغيير. يبدو التضامن بين النساء، على اختلاف أوضاعهن الاجتماعية، عاملا أساسيا في قدرة الحركة على الاستمرارية، ولو أن المهام الأكثر خطورة تبدو ملقاة على عاتق العاملات الفقيرات منهن. يعبر هذا التضامن حدود الحواجز الطبقية بين الناشطات النسويات، ليجمع بين العاملة المهمشة والصيدلانية المثقفة التي أصرت والدتها على تعليمها وزوجة السياسي المحافظ التي تأخذ على عاتقها تشغيل ابنة إحدى عاملات المصبغة، لإنقاذها من مصير التحرش الجنسي على يد رب العمل.
يجمع بين هؤلاء النساء العمل الميداني، من دون نقاشات نخبوية، أو انقسامات سياسية قد تفرق
لا تشبه هؤلاء النساء سيدات صالونات الحركة النسائية، اليوم، المتأنقات من نساء "النخبة"، واللواتي قد يشكل الدفاع عن حقوق النساء، بالنسبة لعدد كبير منهن، مناسبة لتحصيل الشهرة الذاتية. كما لا تشبهن نساء نخبة الأنظمة اللواتي يشكلن فرصة للأنظمة الديكتاتورية لبعض التعويض عن انتهاكاتها الجسيمة للحقوق والحريات. فلا بأس من تعيين بعض النساء، من النخبة الحاكمة نفسها، في مناصب وزارية رفيعة، أو انتخابهن أعضاء في البرلمانات، طالما أن الاعتراف بحقوقهن في التمثيل السياسي سيسبغ بعض الوجه الإنساني للنظام، وقد يمنحه بعض الثناء من الداخل والخارج.
لا يشبه التضامن بين نساء الفيلم، أيضاً، المنافسة المريرة بين النساء على مراكز السلطة، والتي غالبا ما تستخدم الدعم الذكوري طريقاً لا بد منه للترقي، خصوصا أن هذه المراكز العليا غالبا ما تكون محدودة العدد بالنسبة للنساء، ولا تنجح في تقديم نموذج بديل عن الأداء الذكوري في هذه المناصب.
حسناً فعل فيلم "سافراجيت" في إغفاله الخطاب السياسي للحركة النسائية، مقابل التركيز على النضال الحقوقي والاجتماعي لنساء الحركة. هل غيّر حق الاقتراع للنساء العربيات من أوضاعهن الاجتماعية، بما يتجاوز الفولكلور الانتخابي في مراكز الاقتراع؟ هل بدّل وصول النساء إلى مراكز القرار السياسي، سواء في الحكومات أو البرلمانات، من أوضاعهن الحقوقية في ما يتعلق بالحق بمنح الجنسية لأطفالهن، أو تشديد العقوبات لمرتكبي العنف المنزلي ضدهن، وصولا إلى ما تسمى جرائم "الشرف"؟ البداية من هنا، من الحقوق الاجتماعية الأساسية التي ناضلت بطلة "سافراجيت" للحصول عليها من حيث لم تخطط، وهي بذلك تشبه آلاف النساء في العالم العربي، في نضالهن البسيط وغير النخبوي، من أجل "حياة يمكن أن تكون أفضل".