ما إن سوّى رئيس النظام السوري الموقف مع العدو الاستراتيجي والمحتل الصهيوني، كما كانت معاجم البعث والممانعة تصف بالسابق إسرائيل، حتى بدأت ملامح "هزيمة الثورة" تتالى، فمن الضوء الأخضر بدخول درعا، مهد الثورة ومنطلقها، مروراً بغض الطرف عن جرائم قتل المعتقلين التي تقودها "السجلات المدنية " بسورية اليوم، عبر إرسال "خبر" لذوي المعتقلين لضرورة إجراء "تمويت" أولادهم قانونياً.
والسير بالآن ذاته بما سمّي المرسوم 10 الذي يصادر بشار الأسد بموجبه ممتلكات السوريين الهاربين من الموت والملاحقات، وصولاً اليوم، إلى التحضير لمؤتمر إعادة الإعمار، وبمشاركة "حلفاء الشعب وأنصار الثورة" ومباركة الديمقراطيين ودعاة الحرية حول العالم!
قصارى القول: لم تعد عملية إعادة الإعمار بسورية تكهنات أو ورقة إغراء، يلوّح بها بشار الأسد، كلما حشر بموقف أو تعالت نداءات محاسبته على قمع الثورة بالقوة وقتل وإعاقة نيف ومليون سوري وتهجير نصف سكان سورية، بعدما دمّر مدنها وحاضرها وقتل الأمل بدولة مدنية ديمقراطية... ربما لعقود.
بل تم اليوم، تحديد 26 يوليو/تموز الجاري، موعداً لـ"مؤتمر رجال الأعمال والمستثمرين في سورية والعالم 2018" ليكون، عبر من ثبّت الحضور حتى الآن، من دول وشركات ورجال أعمال، بداية عملية للبدء بتوزيع حصة خراب سورية، على كل من ساهم بقتل الثورة والسوريين، أو صمت على وأد تطلعات الشعب بالحرية والكرامة، بل وعلى من ناصر الثورة والشعب، قبل أن تحرفه "الواقعية السياسية" ويقف إلى جانب الأقوى والأكثر ربحاً.
فإن تقرأ عن مشاركة روسية وإيرانية، أو حتى صينية وفنزويلية، فليس من مفاجأة بالأمر، فتلك الدول، ساهمت وعبر طرائق كثيرة، بتقوية الأسد ومده بإكسير البقاء، مالاً وسلاحاً ومواقف، طيلة السنوات السبع من عمر ثورة السوريين.
بيد أن في مشاركة دول عربية وألمانيا والسويد وبريطانيا وهولندا والولايات المتحدة، شيئا من "القرف" والتشكيك، بكل ما يرفعه الأغنياء والديمقراطيون، من مبادئ وشعارات وحقوق الإنسان.
ربما من الأسئلة المعلقة حول "إعادة إعمار سورية"، هذا إن فرضنا جدلاً أن "التوافق" بين المحتلين والمسيطرين على الأرض، سيمر بسلام، وسيكون بإعمار سورية وما تحصّله الدول والشركات من منافع وصفقات، ثمناً لبقاء نظام الأسد وإعادة إنتاجه
السؤال الأول، ما هي الكلفة الحقيقية لإعادة إعمار سورية، بواقع تضارب الأرقام والتكهنات، التي بدأها "المبعوث الأممي" دي ميستورا والتي لا تتجاوز 300 مليار دولار، والتي بدأت أطراف دولية تشيعها أو تروجها أخيراً وتتعدى 500 مليار.
وقد لا يكون "تكهّن" رئيس اللجنة التحضيرية العليا لملتقى إعادة الإعمار ومستقبل البناء في دول الصراع، الأردني محمد الحلايقة وحيداً برفع الرقم بهدف إسالة لعاب الدول والشركات والمصارف، بل ها هي روسيا تؤكد مذ تم الإعلان عن المؤتمر، أن الكلفة تنوف عن 500 مليار، وهو الرقم ذاته الذي بدأ النظام السوري ترويجه أخيراً.
السؤال الثاني، من أين يمكن لسورية أن تأتي بهذا الرقم الهائل، وهل لرجال الأعمال والموارد المحلية وخزينة الدولة، قدرة على تحمل هذه الأعباء، كما يحاول نظام الأسد الترويج، عبر منح "المال المحلي" الأولوية.
وأيضاً، هل لروسيا الاتحادية أو لإيران - شركاء الحرب والنظام - القدرة المالية والفنية على تمويل وقيادة مشروع بناء أكبر كارثة يشهدها العصر الحديث، على صعيد القتل والتهجير وأكلاف الحرب.
وأما السؤال الثالث، وربما فيه كلمة السر والإجابة حتى على سابقَيه، هل سيصار إلى ترضية الدول الأوروبية والعربية النفطية والولايات المتحدة، فيتبنوا التمويل والإشراف على إعادة الإعمار، بل وتتدخل "المؤسسات الدولية المالية" من صندوق النقد والبنك الدوليين وحتى المصارف الكبرى، لتنال حصتها، ليس من الأرباح، بل ومن السيطرة على سورية ومقدراتها، عبر نسب فائدة مرتفعة ووصفات إلزامية قبل منح القروض.
نهاية القول: ربما بعد التصريحات الإسرائيلية "الأسد في مأمن منا وعلى إيران الخروج من سورية" أو تلك التي خرجت عن رئيس الوزراء، نتنياهو والتي كانت أكثر وضوحاً وصراحة "لم نواجه أي مشكلة مع نظام الأسد، فعلى مدى أربعين عاماً لم تطلق رصاصة واحدة على مرتفعات الجولان" والتي تدلل فيما تدلل، على أن إسرائيل راضية على إعادة إنتاج النظام وإن لم تشارك مباشرة بأرباح الحرب، فحصتها بتنازل الأسد عن الجولان تكفيها.
باتت - بعد الضوء الأخضر الإسرائيلي - ظروف إعادة إنتاج الأسد وإعادة الإعمار، مؤاتية أكثر من أي وقت مضى، ولكن من يزيح العار عن مؤتمر، ربما يشارك فيه "أصدقاء الشعب والثورة" ودعاة الحرية والديمقراطية.
وربما الأهم، من يبعد العار والشبهة عن مؤتمر ودول، ستبحث بإعادة إنتاج القتلة وبناء الحجر، وتتجاهل، أو بالأحرى، تساهم بتتمة قتل الأحلام والبشر، وحتى لا تتطرق لمن هم بالسجون أو هجرهم الأسد وهدم آمالهم وممتلكاتهم، التي يقدم إعمارها اليوم، جائزة ترضية للشركاء والكبار.