وسرّعت تصريحات أممية وروسية، خصوصاً بعد عودة الحرارة إلى العلاقات التركية ـ الروسية، الجهود الكردية لإقرار هذا الطرح الفيدرالي، تخوّفاً من تغيّر قواعد اللعبة، بعدما كانت موسكو من أحد أبرز الداعمين عسكرياً لحزب الاتحاد الديمقراطي في حربه ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) شمال سورية، إثر خلافها مع أنقرة. وهذا الحزب هو الفرع السوري لحزب "العمال الكردستاني" الذي تعتبره تركيا "منظمة إرهابية"، وتعمل جاهدة على منع إقامة أي إقليم كردي مستقل، وتتوجس من محاولات "الاتحاد الديمقراطي" في هذا الاتجاه.
وصرّح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يوم الجمعة الماضي، بأن "روسيا لا تقوم بحل المشكلة الكردية في سورية". كما أثار تصريح المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، منذ أيام، عن أن نسبة الكرد في سورية لا تتجاوز الـ5 في المائة من عدد السكان، موجة غضب في الأوساط الكردية، خصوصاً أنه حمل إشارة واضحة إلى أن أحلام الكرد في الانفصال أو تشكيل إقليم خاص بهم ليست على طاولة البحث الدولية، وربما أسهم هذا التصريح في الإفراج سريعاً عن مسودة الدستور الفيدرالي لفرض معطيات جديدة على أي حلّ سياسي مقبل.
وطرحت ما تسمى بـ"الإدارة الذاتية" في محافظة الحسكة السورية ومناطق في ريف حلب، التي يطلق عليها الأكراد تسمية "روج أفا" وتعني "غرب كردستان"، مشروع دستور "أولي" يتضمن 85 مادة يؤسس للنظام الفيدرالي الذي تبنته، أخيراً، ويدعو إلى تحديد مدينة القامشلي شرق مدينة الحسكة، عاصمة فيدرالية لكردستان سورية، واختيار علم خاص بالإقليم، ومواد أخرى تشرّع الباب أمام إعلان إقليم شبيه بإقليم كردستان العراق.
ويحاول حزب الاتحاد الديمقراطي وأحزاب أخرى مرتبطة به تسويق هذا المشروع في الأوساط الغربية، معتمداً على قيام قواته التي تشكّل الثقل الرئيسي في قوات "سورية الديمقراطية" في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في أكثر من مكان في سورية، تحت غطاء جوي للتحالف الدولي.
وقامت "الإدارة الذاتية" في فتح "ممثليات" لها في العديد من العواصم الأوروبية، منها العاصمة الفرنسية باريس، إذ يؤكد أحد أعضاء "الإدارة"، إبراهيم مسلم، أن المجلس التنفيذي في "فيدرالية روج أفا وشمال سورية" انتهى من "كتابة عقد اجتماعي، أو دستور، يوضح شكل هذه الفيدرالية"، أعلنه أول من أمس، السبت، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى أن دولاً غربية "تساند أكراد سورية في إعداد وإعلان دستورهم، وإنْ لم تعلن موقفها هذا صراحة"، وفق مسلم.
وتضم المناطق التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي مكوّنات الشعب السوري من عرب، وكرد، وتركمان، وسريان، وآشوريين، خصوصاً في محافظة الحسكة (شمال شرق البلاد)، ومنطقة تل أبيض، شمال محافظة الرقة. وتشترك أحزاب من هذه المكونات في "الإدارة الذاتية"، ومجلس "سورية الديمقراطية" الذي شُكّل أواخر العام الماضي، وانبثقت عنه قوات تخوض معارك ضد "داعش" شمال سورية.
وفي هذا الصدد، يشير رئيس المجلس السوري السرياني، بسام اسحق، إلى أن مشروع الدستور الفيدرالي "لم يكتمل بعد، ولا يزال طور النقاش والمراجعة"، لافتاً لـ"العربي الجديد" إلى أن حزب الاتحاد السرياني "يشارك في صياغته" لكن الأنظمة التقليدية الإقليمية لن ترضى على الدستور، مؤكداً أنّ "هناك رضى دوليّاً عليه".
ويرى اسحق أن "هناك ضرورة ملحة لطرح رؤى وطنية بما يخص شكل سورية المستقبل"، مضيفاً أن "هذه خطوة مطلوبة لتمهيد الطريق لحل سياسي في البلاد". ولم ينل مشروع الدستور، الذي أعلنت عنه "الإدارة الذاتية"، موافقة غالبية العرب في محافظة الحسكة الذي يشكلون أكثر من نصف سكانها، وفق الناشط السياسي، مضر الأسعد. ويشير الأخير لـ"العربي الجديد" إلى أن هذا الأمر "مرفوض ليس من العرب وحدهم بل من جميع المكونات في الجزيرة السورية"، مضيفاً أنّ "الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلاد بعد إسقاط النظام، وليس فئة أو حزباً".
وذكرت وسائل إعلام كردية أنّ المجلس الوطني الكردي (المنافس السياسي للاتحاد الديمقراطي في الشارع الكردي السوري) بصدد سنّ دستور آخر مقابل دستور الإدارة الذاتية. لكن نائب رئيس "الائتلاف السوري المعارض"، القيادي البارز في المجلس الوطني الكردي، عبد الحكيم بشار، ينفي هذا الأمر، مؤكداً أنه لم تطرح أية مسودة دستور من قبل المجلس. ويضيف لـ"العربي الجديد" أن "اللجنة القانونية في المجلس بصدد إعداد مسودة مبادئ إعلان دستوري، سيتم طرحها على الهيئة العليا للمفاوضات كوجهة نظر خاصة بالمجلس، وستكون محل نقاش". ويشير إلى أن المجلس "لن يطرح أي شيء مستقل خارج أطر مؤسسات المعارضة الرسمية التي يشارك فيها المجلس، مثل الهيئة العليا للمفاوضات، والائتلاف السوري المعارض"، على حدّ قوله.
ويوضح بشار أن "من حق المجلس طرح وجهة نظره، والعمل من أجلها بكل ما يتعلق بمستقبل سورية، ومستقبل القضية الكردية سواء في ما يتعلق بشكل الدولة، أو نظام الحكم، أو حقوق المكونات السورية، ومنهم الكرد وهم مكوّن سوري قومي أصيل". ويستدرك حديثه بالقول: "لكن كل ذلك يجب أن يكون من خلال المؤسسات الشرعية للمعارضة"، مشدداً على أنه "لن يكون هناك أي قفز من قبل المجلس خارج أسس الشرعية الثورية، التي تجسدها أطر المعارضة التي يتمثل فيها المجلس".
وبرزت بقوة القضية الكردية في سورية منذ بدء الثورة السورية عام 2011، إذ حاول النظام استمالة الكرد لتحييدهم عنها من خلال إعطاء عدد كبير منهم جنسيات كانوا محرومين منها. كما حاول من خلال حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يعد في نظر المعارضة حليفاً للنظام، "تطويق المد الثوري الكردي" من خلال تسهيل سيطرة هذا الحزب على مناطق واسعة في محافظة الحسكة التي تضم نسبة كبيرة من أكراد سورية. وطرح "الاتحاد الديمقراطي" نفسه على المجتمع الدولي شريكاً في ما يسمى "محاربة الإرهاب"، فاعتمدت الولايات المتحدة على ذراعه العسكرية (الوحدات الكردية) في ذلك، إذ أنشأت قواعد عسكرية في مناطق سيطرته شمالاً، وشمال شرق سورية، ووفرت له غطاء جوياً في حربه ضد التنظيم.
وتؤكد مصادر في المعارضة السورية أن إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي مسودة دستور في مناطق سورية "ليست له قيمة سياسية، أو قانونية، ولا يستحق التوقف عنده"، مشيرة لـ"العربي الجديد" إلى أن شكل الدولة السورية يحدده الشعب السوري مجتمعاً من خلال برلمان منتخب يعقب مرحلة انتقالية. وتلفت إلى أن "حقوق الأكراد السياسية والثقافية، ستكون مصانة في سورية المستقبل، ولكن ليس على حساب وحدة أراضيها".