جاءت زيارة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى محافظة المهرة، شرقي اليمن، لتعيد الأضواء مجدداً إلى الأزمة المحتدمة في البوابة الشرقية لليمن، حول نفوذ السعودية، التي يبدو أنها تمضي في تثبيت أقدامها في المنطقة الحدودية مع سلطنة عُمان، بعد أن واجهت رفضاً محلياً لانتشار قواتها، دفعها على ما يبدو إلى تكثيف تحركاتها لتعميق النفوذ في المهرة، من زاوية أمنية وتنموية.
ومنذ اللحظة الأولى لوصول هادي إلى المهرة، كان الموضوع الأبرز المرافق للزيارة، هو الدور السعودي، إذ ظهر سفير الرياض لدى اليمن، محمد آل جابر، في صفوف المستقبلين، كما لو أنه بات مسؤولاً محلياً في المحافظة. وخلال الحفل الذي أقيم خلال استقبال هادي، كان آل جابر، إلى جانبه في الطاولة ذاتها، ومعهما محافظ المهرة، الشيخ راجح باكريت، ليبدو كما لو أن الزيارة جاءت لدعم موقف التواجد السعودي في المحافظة.
وكان هادي أعلن، في الكلمة التي ألقاها في حفل استقباله، عن مرحلة جديدة، عنوانها الدعم السعودي. وقال "اليوم نضع حجر الأساس لمرحلة الإنماء في المهرة بدعم سخي وكريم من أشقائنا الكرام في المملكة العربية السعودية صاحبة السبق في كل شيء في اليمن". وأضاف، على سبيل الإشادات التي تعزز أهداف الزيارة، أن السعودية "كانت الأولى وهي تدرك حجم المتاعب والمخاطر، وكانت الأولى وهي تبادر وتلبي وتناصر، وهي اليوم الأولى وهي تبني وتعمر"، وهي مضامين رسائل واضحة للزيارة بأنها قد جاءت للدفاع عن الموقف السعودي. وعززها بالقول "ندشن جملة من المشاريع المهمة والحيوية في هذه المحافظة، سواء في المجال الصحي أو التعليمي أو المياه والكهرباء أو في الميناء والمطار، وفي مقدمتها المشروع الاستراتيجي الكبير الذي سميته اليوم مدينة الملك سلمان الطبية والتعليمية".
وأثارت الزيارة، منذ اللحظات الأولى لوصول الرئيس اليمني، سيلاً من التعليقات، التي قرأتها من زاوية أساسية، وهي أزمة الوجود السعودي في بوابة اليمن الشرقية، وما يواجهه من رفض محلي، وسعي الرياض لتعزيز نفوذها في هذا الجزء الاستراتيجي من البلاد. وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن الزيارة حاولت أن توصل رسالة بأن الحكومة اليمنية الشرعية تدعم الحضور السعودي، وذلك في إطار إضعاف موقف الأصوات المحلية الرافضة لنفوذ الرياض، والتي ترفع مطلباً أساسياً وهو رفض أي تواجد لقوات سعودية أو أي قوات خارجة عن سلطة الشرعية. كما كان المعتصمون المطالبون برحيل القوات السعودية، يرفعون صور هادي خلال الاحتجاجات، لكن الأخير، جاء بنظر المصادر، في مهمة تحقق الأهداف السعودية أو تتماشى مع رغبتها بتعزيز النفوذ في المحافظة.
وكان الرئيس اليمني، وعلى ضوء الاحتجاجات التي شهدتها المهرة ضد التواجد السعودي، أصدر، منتصف يوليو/تموز الماضي، قرارات بتعيينات، أزاحت شخصيات محلية، وقفت بقوة إلى جانب المحتجين، وأبرزها وكيل المحافظة، علي سالم الحريزي، الذي انحاز إلى مطالب خروج القوات السعودية، بصورة علنية. وجاءت القرارات، على الرغم من الاتفاق الذي اضطرت القوات السعودية إلى توقيعه مع ممثلي اللجنة التنظيمية للاعتصام المفتوح، والذي يدعو إلى انسحاب القوات السعودية وإعادة منافذ المهرة البرية والجوية والبحرية إلى وضعها السابق تحت سيطرة القوات اليمنية من الشرطة والجيش، وغيرها من المطالب، التي يفترض أنها في مرحلة التنفيذ. وجاءت زيارة الرئيس اليمني التي تدعم التواجد السعودي على هيئة مشاريع تنموية وخدمية، كما لو أنها تستبق أي عودة للاحتجاجات بسبب عدم تنفيذ المطالب المتفق عليها. وتشمل المطالب الستة، التي رفعها المعتصمون في المهرة، إعادة العمل في منفذي شحن وصرفيت (مع عُمان) وميناء نشطون إلى وضعهم الطبيعي وتسليمهم إلى قوات الأمن المحلية، وعدم السماح لأي قوات غير رسمية بالقيام بالمهام الأمنية في محافظة المهرة بشكل عام والمنافذ الحدودية بشكل خاص، والعمل على تسهيل معاملات وإجراءات المواطنين فيها، ورفع القيود الاستثنائية المفروضة على حركة التجارة والاستيراد والتصدير في هذه المنافذ والتي تؤثر بشكل سلبي على الإيرادات التي تحتاج لها المحافظة. كما يتضمن الاتفاق العمل على إعادة مطار الغيضة الدولي إلى وضعه السابق كمطار مدني تحت إشراف السلطة المحلية بالمحافظة وتسليمه لقوات الأمن التابعة لها (بدلاً عن القوات السعودية)، وإعطاء الأولوية لتحسين وضع الخدمات العامة، مثل الكهرباء والمياه والصحة والتعليم والطرقات، والاهتمام ببناء "مؤسسة الشرطة المحلية بناءً وطنياً تمهيداً لقيامها بمهامها لاحقاً في إطار مشروع الأقاليم، ومن ضمنها إقليم المهرة وسقطرى".
وتصف مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، ما قامت به القوات السعودية في المحافظة بأنه لا يبتعد كثيراً عن خطوات القوات الإماراتية في جزيرة سقطرى الاستراتيجية، إذ طلبت القوات السعودية من الموظفين في المطار المغادرة ووعدتهم بتسلم مستحقاتهم، في حين كانت أبوظبي قامت في مايو/أيار الماضي، باحتلال مطار وميناء سقطرى، بالتزامن مع تواجد الحكومة الشرعية ورئيسها أحمد عبيد بن دغر، لكنها واجهت رفضاً حكومياً صارماً، على عكس ما هو حاصل بالمهرة، والتي يبدو أنها تعاني من خذلان حكومي في قضية الوقوف مع المطالب المحلية برفض تواجد التحالف غير المبرر، باعتبارها محافظة بعيدة عن المعركة مع الحوثيين كعنوان للمعركة التي تدخل على أثرها التحالف.
وليست المرة الأولى التي تقف فيها الحكومة موقفاً يتناغم مع الرغبة السعودية بالنفوذ في المحافظة، إذ كان رفض تواجد القوات السعودية واستخدام مطار مدينة الغيضة (مركز المحافظة)، السبب الأساسي، وفق مراقبين، وراء إقالة المحافظ السابق، محمد كده، وتعيين راجح باكريت خلفاً له. كما شهدت الأشهر الماضية تعيينات يندرج العديد منها في الإطار ذاته، وهو الحد من الأصوات المحلية الرافضة للتواجد غير المبرر للتحالف. يشار إلى أن محافظة المهرة اليمنية بقيت بعيدة عن الصراعات السياسية والعسكرية خلال السنوات والعقود الماضية، بفعل العديد من العوامل الجغرافية والمحلية، بما فيها موقعها على أطراف البلاد الشرقية. وأثار مجيء قوات التحالف، سواء السعودية أو الإماراتية، حفيظة السكان، الذين يخشون من تكرار تجارب الصراع في المحافظات الأخرى والمزيد من التدخلات الخارجية في شؤون المحافظة، على حساب السيادة اليمنية وأمن واستقرار المهرة، التي يتواجد فيها مواطنون من مختلف المحافظات الشمالية والجنوبية، يعملون في مهن مختلفة.
ومن زاوية أخرى، تأتي الحساسية المتعلقة بالمهرة، من كونها المحافظة اليمنية التي ترتبط بحدود مع سلطنة عُمان، وتوليها الأخيرة اهتماماً استثنائياً يرتبط بأمنها القومي وبالعلاقات الطبيعية مع قبائلها على مدى العقود الماضية. وتكاد المحافظة تكون بالنسبة إلى عُمان، كما هو الحال لأهمية صعدة الحدودية مع السعودية. وتزداد الأهمية، مع المخاوف التي يخلقها النفوذ السعودي أو الإماراتي على سلطنة عُمان، إذ تخشى الأخيرة من تحول حدودها مع اليمن إلى مصدر تهديد لها في ظل ملفات الخلاف، المعلنة وغير المعلنة، بين مسقط وكلٍ من الرياض وأبوظبي. وفي هذا السياق، يثير الحرص السعودي المتزايد على النفوذ في المهرة، وعلى التواجد عسكرياً فيها، العديد من علامات الاستفهام، وهو الأمر التي تتعدد معه التفسيرات من الجزء المتعلق بسلطنة عمُان، فيما يتحدث البعض عن سعي الرياض لتأمين منفذ لها لتصدير النفط عبر مناطق شرق اليمن، وحضرموت والمهرة بشكل أساسي.