ويبدو أن الهجمات في باريس وضعت حداً لتردّد كاميرون، الذي امتنع طيلة الأشهر الماضية عن التوجّه لمجلس العموم البريطاني، للحصول على تفويض بتوسيع عمليات سلاح الجو البريطاني، من الأجواء العراقية إلى الأجواء السورية، لاستهداف قواعد "داعش". ويخشى كاميرون من عدم الحصول على الأغلبية البرلمانية اللازمة، للحصول على التفويض المطلوب، خصوصاً أن هجمات باريس، على فظاعتها، لم تُقنع زعيم حزب "العمال" المعارض، جيريمي كوربين، بتغيير موقفه الرافض لتوسيع العمليات الجوية البريطانية إلى الأجواء السورية، من دون قرار من مجلس الأمن الدولي. وظل مُصرّاً على موقفه، على الرغم من تعرّضه للانتقاد الشديد من كاميرون، وحتى من قيادات عمالية. ويرى كوربين أن "قصف مواقع داعش في سورية، لا بدّ أن يأتي ضمن حل شامل للملف السوري، تشارك فيه الدول الكبرى، الدائمة العضوية في مجلس الأمن".
وقد ازدادت مهمة كاميرون صعوبة مطلع الشهر الحالي، بعد صدور تقرير لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم، الذي خلص إلى "عدم جدوى توسيع الضربات الجوية البريطانية إلى الأراضي السورية، وأنه لا ينبغي أن يكون هناك أي تمدد لعمل عسكري بريطاني في سورية، ما لم تكن هناك استراتيجية دولية متماسكة، لديها الفرصة الواقعية لهزيمة التنظيم، وإنهاء حالة الحرب في سورية". وتصف أوساط سياسية وإعلامية بريطانية، تقرير لجنة الشؤون الخارجية، بأنه "ضربة لرئيس الحكومة"، الذي طالما عبّر عن رغبته في التصدي لـ"داعش" في سورية، بعد الحصول على موافقة مجلس العموم لتوسيع عمليات القوات الجوية التي تشارك فعلاً في الحملة الجوية التي تستهدف التنظيم في العراق.
اقرأ أيضاً: بريطانيا تدعم قطاعاتها الأمنية بعد هجمات باريس
وتُثير مسألة توسيع دائرة عمليات الطائرات البريطانية من الأجواء العراقية الى الأراضي السورية، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والأمنية والعسكرية البريطانية، إذ تخشى بعض الأوساط من أن يؤدي توسيع التدخل العسكري البريطاني في سورية والعراق، إلى تأجيج مشاعر الجالية المسلمة، ودفع المزيد من الشباب البريطاني المسلم نحو التطرف.
كذلك تبدي أوساط بريطانية خشيتها من خطر تعرّض المدن البريطانية لهجمات انتقامية، قد يكون رأس الحربة فيها "الجهاديين" العائدين من جبهات القتال في سورية والعراق. في المقابل، يرى المتحمسون لقرار توسيع العمليات الجوية البريطانية إلى الأجواء السورية، عدم مشاركة بريطانيا في ساحة المواجهة العسكرية في سورية، بمثابة انسحاب بريطاني من الساحة الدبلوماسية التي تنشط هذه الأيام بحثاً عن تسوية سياسية للأزمة السورية.
ويقول هؤلاء، إن قرار بريطانيا للمشاركة في الغارات الجوية على مواقع "داعش" في الأراضي السورية، ليس قراراً عسكرياً فحسب، بل قراراً سياسياً، يعزّز مكانة بريطانيا في أي تسوية سياسية على طريق إعادة الاستقرار للشرق الأوسط. وهذا تماماً ما أشار إليه كاميرون في مداخلته أمام مجلس العموم الثلاثاء، بالقول "يطلب منا حلفاؤنا المشاركة في هذه المهمة، وقد بات القيام بهذا العمل مُلحاً بعد هجمات باريس، ولا يجب أن نتوقع أن يتحمل الآخرون المخاطر لحماية بلدنا".
وفيما يتواصل الجدل بين المتحمسين والمعارضين لتوسيع الضربات الجوية البريطانية للأجواء السورية، يُصرّ آخرون، ومن بينهم رئيس هيئة أركان الدفاع السابق بالجيش البريطاني الجنرال السير ديفيد ريتشاردز، المعروف بـ"اللورد ريتشاردز"، على عدم جدوى أي استراتيجية لا تشمل تدخلاً برياً على أرض المواجهة مع "داعش".
ويرى ريتشاردز، أن على "بريطانيا القبول عاجلاً أم آجلاً بإرسال قوات برية ودبابات للمشاركة في الحرب ضد داعش في سورية والعراق". أما رئيس "برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" في مركز "تشاتهام هاوس"، نيل كوليام، فيُشكك في جدوى توسيع بنك الأهداف ضد "داعش" الى الأراضي السورية، ما لم يستند هذا التصعيد إلى إستراتيجية شاملة.
ويُؤكد الباحث في ورقة نُشرت على الموقع الإلكتروني لمركز "تشاتهام هاوس"، في لندن، أنه "من دون هذه الإستراتيجية، فإن خطة الحكومة البريطانية لضرب أهداف داعش في سورية، لن تُؤثر في تغيير قواعد اللعبة مع التنظيم، ولن تُساعد ديفيد كاميرون على الوفاء بتعهداته".
اقرأ أيضاً: بريطانيا تضاعف الإنفاق على الأمن الإلكتروني لمنع هجمات المتشددين