هدنة سورية حذرة...خروقات بالجملة لا تلغي الاتفاق و"داعش" يتقدم

عبسي سميسم (العربي الجديد)
عبسي سميسم
عبسي سميسم. صحافي سوري؛ مدير مكتب سورية في موقع وصحيفة "العربي الجديد".

أحمد حمزة

avata
أحمد حمزة
27 فبراير 2016
02E579A9-14E0-4C18-8F35-94B80418F3CA
+ الخط -
يمكن اختصار مجريات اليوم الأول للهدنة المؤقتة في سورية، بأنه كان يوماً بخروقات كثيرة من قبل النظام السوري، لم تؤدِّ، حتى الليلة، إلى انهيار وقف "الأعمال العدائية" بحسب تعابير قرار مجلس الأمن الدولي 2268 الذي ثبّت دخول الهدنة حيز التنفيذ منذ منتصف ليل الجمعة ــ السبت. لكن بدا أن تنظيم "داعش" كان "نجم" اليوم الأول للهدنة، إذ تمكن من تحقيق تقدم على محور ريفَي حماة الشرقي والرقة، وسط امتناع استهدافه من قبل مقاتلات روسيا أو النظام السوري، بذريعة "الرغبة بتفادي الأخطاء" بحسب تعبير نائب رئيس الأركان العامة للجيش الروسي، سيرغي رودسكوي، مع أن التنظيم مستثنى من الهدنة، فحلت المقاتلات التابعة للتحالف الدولي بدل تلك الروسية واستهدفت تقدم التنظيم. وأصرّ النظام السوري على نفي إقدامه على خرق الهدنة، على الرغم من تسجيل استهدافه 15 منطقة سورية لا وجود لتنظيمي "داعش" و"النصرة" فيها. في المقابل، حاول النظام قلب التهمة الموجهة إليه، متحدثاً عن سقوط قذائف قرب ساحة العباسيين في شرق دمشق، وفق ما أفادت وكالة الأنباء السورية "سانا"، من دون إشارة الوكالة إلى خرق للهدنة. 

أبرز خروقات اليوم الأول للهدنة المؤقتة، حصلت في ريف اللاذقية الشمالي، إذ أكد مدير المكتب الإعلامي في "تنسيقية اللاذقية" لـ"العربي الجديد"، إن "قوات النظام حاولت التقدم بعد بدء سريان الهدنة بنحو ساعتين، على محور تل البيضاء في جبل التركمان. وبالتزامن تقريباً، لكن وسط البلاد، قال الناطق باسم "مركز حمص الإعلامي" محمد السباعي، لـ"العربي الجديد"، إن "قوات النظام، خرقت الهدنة فجراً، عبر استهداف مدينة تلبيسة بريف حمص الشمالي بقصف مدفعي"، مضيفاً أن "قذائف هاون سقطت صباحاً في بلدة الغنطو" بريف حمص الشمالي. كما أكدت عدة مصادر متطابقة حدوث خروقاتٍ، تمثلت بقصفٍ مدفعي استهدف بلدات مورك بريف حماه الشمالي، وبلدة الكماري بريف حلب الجنوبي، ولكن هذا لا ينفي أن محافظة حلب، عاشت بشكل عام يوماً هادئاً.

اقرأ أيضا: سورية: "داعش" يتقدم في تل أبيض في ريف الرقة

وفي إدلب، قال الناشط الإعلامي محمد معراوي لـ"العربي الجديد"، إن "مدفعية النظام المتمركزة في معسكر جورين بسهل الغاب، استهدفت ظهراً قريتي الزقوم وقليدين"، بينما تعرضت بلدة الناجية فيه لقصفٍ بالبراميل. أما في ريف دمشق، فقد أشار ناشطون في الغوطة الشرقية إلى "سقوط ثلاثة صواريخ في قرية بالا، وسط اندلاع اشتباكات عنيفة منذ الصباح، بالترافق مع القصف بالمدفعية الثقيلة من قبل قوات النظام"، فيما تشهد باقي جبهات الغوطة الشرقية هدوءاً حذراً. ومن داريا بالغوطة الغربية، أكد الناشط الإعلامي فادي الداراني لـ"العربي الجديد"، أن "المدينة تشهد هدوءاً تاماً بالعموم، يُسمع صوت اطلاق رصاص متقطع، لكن لا يوجد قصفٌ مدفعي أو جوي حتى الآن".

ومع بلوغ ظهر اليوم، كان الخرق الأبرز للنظام، إذ أكدت مصادر محلية في بلدة خان الشيح، التي تُقع ضمن المناطق المعروفة بالغوطة الغربية لـ"العربي الجديد"، بأن "مدنيين اثنين قُتلا، وأصيب عدد آخر بجروح، إثر قصفٍ مدفعي نفذته قوات النظام المتواجدة في تلة الكابوسية على الجهة الغربية لبلدة خان الشيح"، التي تسيطر عليها المعارضة السورية. وكانت درعا جنوبي البلاد، شهدت بحسب الناشط الإعلامي أحمد المسالمة "سكوناً تاماً في جميع البلدات والمدن".

اقرأ أيضا: سورية: ضحايا مدنيون بقصف مدفعية النظام لبلدة قرب دمشق

وستكون الساعات والأيام القليلة المقبلة، مفصلية للحكم على مجريات الهدنة، وما سيتبعها من تطورات، خاصة أن المبعوث الأممي الى سورية ستيفان دي ميستورا، ربط بين "شرط أن يصمد وقف الأعمال العدائية بشكل شامل والتزام إيصال المساعدات الإنسانية" من جهة، وتوجيه "الدعوة إلى جولة جديدة من المفاوضات بين الأطراف السورية في 7 مارس/آذار المقبل في جنيف" من جهة ثانية. وأعلن المبعوث الأممي عن عقد لقاء مع مجموعة العمل السورية، غدا الأحد، لبحث تقييم تطبيق الاتفاق. وأشار دي ميستورا إلى أن اللجوء إلى القوة العسكرية "سيكون الحل الأخير، في حال انتُهك الاتفاق".

وترى المعارضة السورية أن النظام يسعى لإفشال الهدنة، لكنه مرغمٌ على القبول بها، لأسبابٍ عدة، لعل أبرزها، عدم ظهوره كمتمردٍ على القرارات الدولية. وفي السياق، أشار نائب رئيس وفد "الهيئة العليا للمفاوضات" جورج صبرا، إلى أن "النظام من حيث المبدأ غير راغب بالهدنة لأنه لا يريد حلاً سياسي"، خاصة أن "الدعم الروسي العسكري للنظام منذ نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، أحيى بداخله آمال الحل العسكري والأمني، لكنه اضطر للالتزام بالهدنة مكرهاً كون قراره بالنهاية خاضع للقوى التي تُسيّرهُ، ومن الطبيعي أن يسعى لتخريب الاتفاق وهو يعلم أنه محمي من الجانب الروسي".

بدوره، يشير رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش السوري الحر، العميد أحمد بري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "النظام، طالما أن روسيا تعطيه الضوء الأخضر، وتتيح له تحدي القرارات الدولية، فإنه يسعى لاستمرار الوضع العسكري الراهن، إذ يشعر أنه في مأمن من أي عقوبات دولية، ولذلك كما نرى اليوم فقد استمر قصفه لبعض المناطق"، مؤكدا أن "الجيش الحر يحترم التزاماته الدولية، ولكن سعي النظام لإفشال الهدنة يعيدنا لخيارنا الأساسي في متابعة العمل العسكري وتصعيده ضد النظام والمليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية التي تقاتل معه".

اقرأ أيضا: سورية:قائد معارض يحذر من انهيار الهدنة بسبب "خروقات النظام"

ومع بداية تطبيق الهدنة بين النظام والمعارضة، بدأت تظهر تحركات لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على حدود المناطق التي يسيطر عليها النظام في ريف حماة الشرقي، أسفرت عن سيطرة التنظيم على قرية الطيبة، التي لا تبعد سوى نحو 3 كيلومترات عن بلدة بري التي تضم أكبر كتيبة مدفعية للنظام في المنطقة. كما تم تفجير سيارات مفخخة في مناطق سيطرة النظام في محيط بلدة سَلَمية، قام النظام على إثرها بإغلاق مداخل مدينة سلمية مانعاً أي انتقال للمدنيين من تلك المناطق باتجاه الغرب، وهو ما تسبب بحالة هلع لدى سكان تلك القرى وتخوف من حصار "داعش"، لها أو اقتحامها بأية لحظة.

يبدو النظام أمام خيارين في ريف حماة الشرقي التي يضم مكونها السكاني في معظمه أقلية اسماعيلية: إما التجهيز لحملة عسكرية بغطاء جوي روسي باتجاه الرقة انطلاقاً من ريف حماة الشرقي، أو استدراج "داعش" للسيطرة عليه. ويرتبط الذهاب للخيار الأول بمدى جدية التدخل البري السعودي ــ التركي في سورية لمحاربة "داعش"، إذ من المرجح أن يعمد النظام إلى هذا الخيار في حال لمس جدية من السعودية في موضوع التدخل البري، عندها، من المتوقع أن يعمد النظام ومن خلفه روسيا لفتح معركة باتجاه الرقة التي تشكل بالنسبة للغرب المركز الأهم لتنظيم "داعش" من أجل قطع الطريق على هذا التدخل وإلغاء مبرره. أما في حال قرأ النظام استبعاداً للتدخل البري، فليس من مصلحته فتح معركة باتجاه الرقة وتقليص خطر "داعش" كونه المبرر الأقوى لشرعنة النظام، وبالتالي من المتوقع أن يلجأ النظام لاستدراج التنظيم باتجاه السيطرة على مناطق تقطنها أقليات من ريف حماة الشرقي، ووضع المجتمع الدولي أمام خيار وحيد، هو اعتماد النظام كشريك دولي في محاربة النظام وكحام للأقليات. وقد يلجأ النظام أيضاً إلى السيناريوهين معاً، إذ من المحتمل أن يعلن عن حملة باتجاه محور الطبقة ــ الرقة انطلاقاً من منطقة أثريا شمال سلمية، وفي الوقت نفسه يترك المناطق الواقعة جنوب أثريا خاصرة رخوة يستطيع لتنظيم تحقيق تقدم فيها.

ولم يقتصر تقدم "داعش" على ريف حماة الشرقي، إذ سيطر التنظيم على أجزاء من بلدة سلوك ومدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي، فيما قتل 10 مدنيين على الأقل في قصف للتحالف على أطراف مدينة تل أبيض بحسب وكالة "الأناضول". ونقلت وكالات أنباء عالمية عن وحدات حماية الشعب الكردي، مقتل 40 مقاتلاً من "داعش"، مقابل 20 كردياً في هجوم تل أبيض.

اقرأ أيضا: الهدنة في سورية: هدوء بمعظم المناطق رغم تسجيل خروقات

ذات صلة

الصورة
قوات روسية في درعا البلد، 2021 (سام حريري/فرانس برس)

سياسة

لا حلّ للأزمة السورية بعد تسع سنوات من عمر التدخل الروسي في سورية الذي بدأ في 2015، وقد تكون نقطة الضعف الأكبر لموسكو في هذا البلد.
الصورة
البعثة الأميركية في إدلب، سبتمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

تواصل البعثة الأميركية في إدلب عملها، من خلال إجراء عمليات طبية جراحية نوعية يشرف عليها 25 طبيباً وطبيبة دخلوا مناطق سيطرة المعارضة، شمال غربي سورية...
الصورة
خلال جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، 18 سبتمبر 2024 (الأناضول)

سياسة

تبّنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة خلال 12 شهراً، بعد تصويت 124 دولة لصالحه
الصورة
النازح السوري محمد معرزيتان، سبتمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

يُواجه النازح السوري محمد معرزيتان مرض التقزّم وويلات النزوح وضيق الحال، ويقف عاجزاً عن تأمين الضروريات لأسرته التي تعيش داخل مخيم عشوائي قرب قرية حربنوش
المساهمون