04 أكتوبر 2024
هذا اصطفافنا.. فمن يأتي إليه؟
الاصطفاف ليس دعوة عابرة أو مؤقتة، بل هو معنى دائم، وعملية يجب أن يسعى إليها الجميع، من قوى ثورية مخلصة وفاعلة، صاحبة رؤية تملك الإصرار اللازم لبلوغ الأهداف والوصول إلى المقاصد والغايات. الاصطفاف حركة ونشاط لا يتوقفان، بل هو عملية كاملة متكاملة، متصلة متواصلة، لا تتوقف عند حد، طاقتها في الاستيعاب لا حد لها إلا أهداف ثورة 25 يناير ومكتسباتها، قدرتها استثمار طويل الأجل، بما يشكله من بنية أساسية تحتية، لبناء مستقبل جديد واستئناف الأمل فى استعادة الثورة والمسار الديموقراطي في مصر، بعد أن سطا عليه المغتصبون، وبدده الانقلابيون بقيادتهم ثورة مضادة فاجرة، تحاول، بكل طاقتها، إجهاض ثورة يناير، والقضاء عليها بكل أساليب القمع التي أطلت برأسها، بعد ذلك الانقلاب الغاشم الغاصب.
ومن جملة ما سطا عليه هؤلاء الانقلابيون مفهوم الاصطفاف نفسه، تارة بصناعة الفرقة، مستغلين حالة الاستقطاب، وإطلاق فيروساتها التي لا تهدد الكيان الثوري وقدراته، ولا تهدد فقط نشاطاته وفعالياته، بل تبقي على بعض جراثيمه الفتاكة، من عدم الثقة المتبادل وزراعة الشك المقيم وممارسة أقصى درجات التخوين، فيصير من ديدنها احتراف التراشق، لا التوافق. وذلك كله أورث الحالة الثورية وهناً وضعفاً وإضعافاً، فتهيأ الجسد الثوري لخصومات وخلافات لا تنتهي، تفت في عضده، وتوهن عمله، وتخذل من نشاطاته وفعالياته، فيبقى كيان مصالح شبكة الفساد ومؤسسات الاستبداد آمنا مؤمناً، يرعى مزيداً من فساده وقدرات بطشه وطغيانه واستبداده. إنه اللص الذي يفتعل خناقة، حتى يمر بسرقته مستغلاً غفلة كل هؤلاء الذين صاروا بتشاكسهم في حال غفلة لا ينتبهون فيه إلى الخصم الأساسي الذي يهدف إلى سرقة الثورة، واغتصاب مكتسباتها.
والتأكيد على قرائن المآل، لما آلت إليه الأمور، بعد موجة الاحتجاجات في الثلاثين من يونيو، وأدت الى انقلاب العسكر في الثالث من يوليو، وليس لهؤلاء الذين أحسنوا الظن باحتجاجاتهم وتأثيراتها ادعاء عدم المسؤولية عن النتائج، وإحالة كل نتيجة سلبية إلى فعل "الإخوان المسلمين" أو تقصير الرئاسة، أو تدخل الجماعة واستحواذها، وذلك من باب المخارج والحيل التى تلقفتها أو الغطاء و"البرفان" الذي يختبئون من ورائه إعفاء لكيانتهم من الزلل، أو التقصير أو المسؤولية، أيا كانت الدواعي التي دعتهم إلى ذلك، سواء تعلق الأمر بهواجس إخوانية، أو إحباط حط على تلك القوى، أو خوف تملكها بعد ممارسات سلطة باطشة، فأصاب بعضهم بعض الخوف، أو دخل صناديقه مؤثرا السلامة، أو تردد تحكم في المواقف، لتنازع مصالح وتضاربها، ما جلب الحيرة عدم ثقة تتزايد وثقة تتآكل. هذه الحال بعضها أو بتركيبها راكمت بعداً إضافياً إلى تلك المواقف المختبئة أو المترددة، واستسهال إزاحة التهمة على آخر صار الغالب الأعم يسهمون فى تشويه صورتهم وفعلهم وشخوصهم، ويجعلون منهم الطرف القابل أي تهمة، أو أي نقيصة.
نتحدث عما يمكن تسميتها "الحالة النفسية الجماعية" التي نشأت من جراء صناعة تآكل الثقة المتبادلة، وصناعة الفرقة، وتكريس عملية الاستقطاب التي حاولت أجهزة دولة الفساد العميقة أن تغذي ذلك كله، تمهيدا لسيطرتها وإحكام هيمنتها وتمكينها. هذه الحالة النفسية الجماعية، وفي ضوء الاستهداف الأساسي من سلطة الانقلاب للتيار الإسلامي عامة، الإخوان المسلمين خصوصاً، استسهلت بعض قوى شاركت في ثورة يناير الانضمام إلى لغة خطاب اتهامية صوبت سهامها للإخوان، إلى حد اتهامهم بالخيانة، وضمن خطاب معلب صار روتينيا فى مفرداته وأدائه، تحول فيه الهاجس الإخواني من مجرد هواجس إلى وساوس، ثم تطورت إلى حالة مرضية جماعية، فتحولت الوساوس إلى هلاوس.
هذا هو الشكل الأول من السطو على الاصطفاف صناعة الشجار "الخناقة"، حتى ينشغل الثوار بشجارهم عمن ينتشل الثورة. أما الشكل الثاني من السطو فهو التزوير والتزييف لمفهوم الاصطفاف، وسرقته من كل طريق، سواء لاستخدامه من جوقة إفكه الإعلامي أو من سدنة انقلابه، شاع على ألسنتهم كلمة الاصطفاف خلف المنقلب المغتصب، والالتفاف حوله بدعوى مواجهة الإرهاب ومواجهة "الإخوان"، سرقة هذا المفهوم تتضح من التفاف هؤلاء وتحلقهم حول وثنٍ، أو عجلٍ، له خوار اتخذوه إلهاً، واتخذوه مخلصاً، فما أجاد إلا التخلص والتخليص على كل شيء، بدءًا من شعب افترسه غول الغلاء، واقتصاد وصل إلى حافة الانهيار والتبشير بالموت، وإن تعددت أشكاله، من جنود تزهق أرواحهم في بيئة من الفشل والتقصير إلى إعدامات، والتلويح بها انتقاما وترويعاً، واتخذوه "دكرًا"، على حد تعبيرهم، فهان الوطن، وصار في أضعف حالاته، "دكراً" يستقوي بغدره وبطشه، لا بفعله وعمله. أما اصطفاف قوى الثورة فهو اصطفاف من أجل فكرة، يحمل ثورة يحاول استعادتها، اصطفاف يحركه استشراف مستقبل وصناعة الأمل بسعي وعمل ثوري. إنه تزوير الاصطفاف والسطو على مفهومه وتزييف معانيه وأهدافه ومراميه. أما الشكل الثالث فهو السطو المسلح على الاصطفاف بالبطش والقمع بالسلاح والقتل والحرق والخنق والاعتقال والمطاردة والملاحقة.
حينما يقول تميم البرغوثي إن "الملوك في الشارع والعبيد في القصر"، فإن ما يقوله ليس قلبا للأمور، أو للأحوال، بل يعد ذلك تصحيحا للصورة، ومعنى الاصطفاف الذي يجب تحريكه في مواجهة الخصم الأساسي الذي يحاول سرقة أحلام الشباب، وحصار أملهم ومحاولتهم تسريب وزرع اليأس والإحباط في وجدانهم، وتثبيط هممهم في العمل الثوري، واستئناف فعالياته والحفاظ على كل قابلياته ومحاضنه وطاقاته. الملوك في الشارع تعني، ضمن ما تعني، قدرة الشارع على أن يمتلك ناصية الفعل الثوري، واستخراج واستثمار مكامن الغضب الهادر القادم في اليوم المشهود المنشود.
نخاطب الناس جميعا: "من يصطف معنا"، إن لم تكن معي في موقفي كاملاً، فكن ضد الانقلاب الغاصب الطاغي، فإن كنت تشكك فى ذلك، على الرغم من وضوحه وبيانه، فكن مع استعادة المسار الديمقراطي، وإن كان يغيم أو يغيب عنك ذلك، فكن مع استعادة ثورة يناير ومكتسباتها، وإن اختلط عليك الأمر بشأن ثورة الشعب العظيمة، فكن مع معاشك الذي يتهدد، وأمانك الذي يتقوض، وإذا لم تكن معي في هذا كله، فكن معي كمواطن حر عزيز، وإنسان مكرم أصيل، تحافظ على حقوق الإنسان التأسيسية والأساسية، تحافظ على الحرمات تحميها، وتدفع وتدافع عنها.
إلى هؤلاء جميعا، اصطفوا معنا، أيا كان سندكم، أما إذا لم تكن أحداً من هؤلاء، فنحن لا حاجة لنا فيك، أو في اصطفافك. فقط أنت وبكل صدق فاقد لأصل الإنسانية، تحرض أو تفوض، أو حتى تسكت عن وعلى الدماء. لا حاجة لنا لمن خرج عن حد الإنسانية، الإنسانية التي تحرك كل معاني الحفظ على الكيان والإنسان وأصول العمران. هذا اصطفافنا، فمن يأتي إليه؟
والتأكيد على قرائن المآل، لما آلت إليه الأمور، بعد موجة الاحتجاجات في الثلاثين من يونيو، وأدت الى انقلاب العسكر في الثالث من يوليو، وليس لهؤلاء الذين أحسنوا الظن باحتجاجاتهم وتأثيراتها ادعاء عدم المسؤولية عن النتائج، وإحالة كل نتيجة سلبية إلى فعل "الإخوان المسلمين" أو تقصير الرئاسة، أو تدخل الجماعة واستحواذها، وذلك من باب المخارج والحيل التى تلقفتها أو الغطاء و"البرفان" الذي يختبئون من ورائه إعفاء لكيانتهم من الزلل، أو التقصير أو المسؤولية، أيا كانت الدواعي التي دعتهم إلى ذلك، سواء تعلق الأمر بهواجس إخوانية، أو إحباط حط على تلك القوى، أو خوف تملكها بعد ممارسات سلطة باطشة، فأصاب بعضهم بعض الخوف، أو دخل صناديقه مؤثرا السلامة، أو تردد تحكم في المواقف، لتنازع مصالح وتضاربها، ما جلب الحيرة عدم ثقة تتزايد وثقة تتآكل. هذه الحال بعضها أو بتركيبها راكمت بعداً إضافياً إلى تلك المواقف المختبئة أو المترددة، واستسهال إزاحة التهمة على آخر صار الغالب الأعم يسهمون فى تشويه صورتهم وفعلهم وشخوصهم، ويجعلون منهم الطرف القابل أي تهمة، أو أي نقيصة.
نتحدث عما يمكن تسميتها "الحالة النفسية الجماعية" التي نشأت من جراء صناعة تآكل الثقة المتبادلة، وصناعة الفرقة، وتكريس عملية الاستقطاب التي حاولت أجهزة دولة الفساد العميقة أن تغذي ذلك كله، تمهيدا لسيطرتها وإحكام هيمنتها وتمكينها. هذه الحالة النفسية الجماعية، وفي ضوء الاستهداف الأساسي من سلطة الانقلاب للتيار الإسلامي عامة، الإخوان المسلمين خصوصاً، استسهلت بعض قوى شاركت في ثورة يناير الانضمام إلى لغة خطاب اتهامية صوبت سهامها للإخوان، إلى حد اتهامهم بالخيانة، وضمن خطاب معلب صار روتينيا فى مفرداته وأدائه، تحول فيه الهاجس الإخواني من مجرد هواجس إلى وساوس، ثم تطورت إلى حالة مرضية جماعية، فتحولت الوساوس إلى هلاوس.
هذا هو الشكل الأول من السطو على الاصطفاف صناعة الشجار "الخناقة"، حتى ينشغل الثوار بشجارهم عمن ينتشل الثورة. أما الشكل الثاني من السطو فهو التزوير والتزييف لمفهوم الاصطفاف، وسرقته من كل طريق، سواء لاستخدامه من جوقة إفكه الإعلامي أو من سدنة انقلابه، شاع على ألسنتهم كلمة الاصطفاف خلف المنقلب المغتصب، والالتفاف حوله بدعوى مواجهة الإرهاب ومواجهة "الإخوان"، سرقة هذا المفهوم تتضح من التفاف هؤلاء وتحلقهم حول وثنٍ، أو عجلٍ، له خوار اتخذوه إلهاً، واتخذوه مخلصاً، فما أجاد إلا التخلص والتخليص على كل شيء، بدءًا من شعب افترسه غول الغلاء، واقتصاد وصل إلى حافة الانهيار والتبشير بالموت، وإن تعددت أشكاله، من جنود تزهق أرواحهم في بيئة من الفشل والتقصير إلى إعدامات، والتلويح بها انتقاما وترويعاً، واتخذوه "دكرًا"، على حد تعبيرهم، فهان الوطن، وصار في أضعف حالاته، "دكراً" يستقوي بغدره وبطشه، لا بفعله وعمله. أما اصطفاف قوى الثورة فهو اصطفاف من أجل فكرة، يحمل ثورة يحاول استعادتها، اصطفاف يحركه استشراف مستقبل وصناعة الأمل بسعي وعمل ثوري. إنه تزوير الاصطفاف والسطو على مفهومه وتزييف معانيه وأهدافه ومراميه. أما الشكل الثالث فهو السطو المسلح على الاصطفاف بالبطش والقمع بالسلاح والقتل والحرق والخنق والاعتقال والمطاردة والملاحقة.
حينما يقول تميم البرغوثي إن "الملوك في الشارع والعبيد في القصر"، فإن ما يقوله ليس قلبا للأمور، أو للأحوال، بل يعد ذلك تصحيحا للصورة، ومعنى الاصطفاف الذي يجب تحريكه في مواجهة الخصم الأساسي الذي يحاول سرقة أحلام الشباب، وحصار أملهم ومحاولتهم تسريب وزرع اليأس والإحباط في وجدانهم، وتثبيط هممهم في العمل الثوري، واستئناف فعالياته والحفاظ على كل قابلياته ومحاضنه وطاقاته. الملوك في الشارع تعني، ضمن ما تعني، قدرة الشارع على أن يمتلك ناصية الفعل الثوري، واستخراج واستثمار مكامن الغضب الهادر القادم في اليوم المشهود المنشود.
نخاطب الناس جميعا: "من يصطف معنا"، إن لم تكن معي في موقفي كاملاً، فكن ضد الانقلاب الغاصب الطاغي، فإن كنت تشكك فى ذلك، على الرغم من وضوحه وبيانه، فكن مع استعادة المسار الديمقراطي، وإن كان يغيم أو يغيب عنك ذلك، فكن مع استعادة ثورة يناير ومكتسباتها، وإن اختلط عليك الأمر بشأن ثورة الشعب العظيمة، فكن مع معاشك الذي يتهدد، وأمانك الذي يتقوض، وإذا لم تكن معي في هذا كله، فكن معي كمواطن حر عزيز، وإنسان مكرم أصيل، تحافظ على حقوق الإنسان التأسيسية والأساسية، تحافظ على الحرمات تحميها، وتدفع وتدافع عنها.
إلى هؤلاء جميعا، اصطفوا معنا، أيا كان سندكم، أما إذا لم تكن أحداً من هؤلاء، فنحن لا حاجة لنا فيك، أو في اصطفافك. فقط أنت وبكل صدق فاقد لأصل الإنسانية، تحرض أو تفوض، أو حتى تسكت عن وعلى الدماء. لا حاجة لنا لمن خرج عن حد الإنسانية، الإنسانية التي تحرك كل معاني الحفظ على الكيان والإنسان وأصول العمران. هذا اصطفافنا، فمن يأتي إليه؟