14 نوفمبر 2024
هل انتهت صلاحية السيسي؟
(1)
قال لي صديقي الهارب من مصر إن مصر أشبه ببرميل بارود، ولا ينقصها لتنفجر إلا عود كبريت.. "كنت أتنقل بحراسة، كوني أسكن في مجمع سكني (كومباوند)، محاط بحراسة مشددة، وكنت أشعر بأن من يحيط بنا يتهيأ للانقضاض علينا، وأظن لو تمكّنوا من "اجتياحنا" لأكلونا، باعتبارنا مستعمرة من الشبعانين المرفهين، وسط بحرٍ من الجوعى. كنت أخرج في الصباح، وآخذ سندويشاتي معي، لأنني لا آمن على نفسي من أكل أي شيء خارج البيت. شاهدت أناسا يموتون في الشوارع، ولا يعبأ بهم أحد، لا أمن ولا قانون، ولا نظام، إنها حالة فوضى عارمة، لم يسبق لمصر أن عاشتها..".
كان حديث الصديق طويلا ومملا ومفزعا، لكنه يفوق كثيرا ما نقرأه عن أحوال مصر وأهوالها. وما ورد أعلاه لا يعدو نقطة في بحر، فمصر التي لم أزرها منذ الانقلاب لم تعد هي نفسها قبله. ويكفي أن نتوقف عند حديث الشاب المقاول والممثل المغمور، لندرك أن البلد على أبواب حدثٍ كبير، سمّه ثورة أو موجة ثورية جديدة، أو انقلابا، لكن دوام حالها بات من المحال.
(2)
"أين هو دكتاتوري المفضل؟" عبارة تداولتها وسائل الإعلام بكثافة في الأيام الماضية، هكذا تحدث الرئيس الأميركي، ترامب، عن عبد الفتاح السيسي، فهو وهم وكلنا يعرفون أن هذا الدكتاتور هو المفضل لديهم، فهو "تعهّد" بقتل مصر، وخنق روحها، ووجد من الدعم الغربي والعربي ما يؤهله ليبقى رابضا على صدور المصريين عقودا كثيرة. ولكنه، كما يبدو، لم ينجح في الاختبار، وصار لزاما عليه أن يرحل، ولكن كيف؟ هذا هو السؤال. هم جاؤوا به، وهم سينهونه، ليس لأنه لم يخدمهم على الوجه المطلوب، بل لأنه خدم بطريقة فجّة، و"ارتكب" أكثر مما ينبغي من أفعال، أوصلت الخزّان البشري العربي الأضخم على شفا الانفجار. وانفجار هذا الخزان هو أسوأ كوابيس من دعموه، فالمطلوب كان تنويم مصر وتحييدها وإخراجها من دائرة الفعل، استمرارا لمهمة من سبقوه من الحكام العسكر، وجعلها جزءا من حماية المشروع الصهيوني وحراسته، وسحق التطلعات الشعبية في التحرّر والانعتاق، والثورة الحقة، لا تدميرها ونهبها بكل خشونةٍ ورعونة، وتجويع شعبها، وتخريب اقتصادها، وتحويلها إلى مزرعةٍ لعصبة من الضباط والمنتفعين. لقد فعل السيسي أكثر بكثير مما هو مطلوب منه، حتى بات عبئا على مموليه وداعميه.
(3)
فجأة انفجرت فيديوهات محمد علي الذي وصفته الصحافة الأجنبية بأنه المقاول الذي هز عرش السيسي (اضطر أن يرد بنفسه على ما ورد في الفيديوهات التي بثها الشاب، حتى إذا أمسك
بالمايك، أكد كل ما قالته الفيديوهات!). نظرية المؤامرة هنا غير مستبعدة، ولكنها ليست قضاءً مقضيا، قد يكون محمد علي انفجر قهرا لفرط ما رأى، وحبّا لمصر ولمصلحتها، وقد يكون مجرد ممثل جيء به للبدء في مسلسل إزاحة الدكتاتور الذي لم يعد مفضّلا بقاؤه، وقد يكون بدأ بمبادرة فردية، ثم جرى استثماره، كل تلك الاحتمالات ليست بعيدةً عن الواقع، وجائزة، فالعالم لا تحكمه الديمقراطية، ولا حتى الانقلابات. العالم لذوي البصيرة تحكمه عصابة كبيرة هي من تنصب حكامه الصغار، عبر صناديق الاقتراع أو الانقلابات أو حتى الثورات، لقد جيء بالسيسي لأداء مهمةٍ معينة، وهو ليس استثناءً في بلاد العالم الثالث، ويبدو أنه حان وقت إزاحته، بعد أن انتهت صلاحيته، وأصبح ضرره أكثر من نفعه على من جاؤوا به، وهنا تبرز قصة محمد علي.
لا أشكك في وطنية هذا الشاب المصري الجريء، ولكن كما هو معتاد في بلاد الشرق، هناك من يستثمر الحدث لصالحه، ليس بالضرورة أن يصنعه كله ابتداء، فيكفي أن يرى طرف خيط لكي يُمسك به، ويصنع منه قطعة قماشٍ كاملة، وكما تم القضاء على الرئيس محمد مرسي بـ "إرادة شعبية" ومليونيات هليوودية، وجيء بالجنرال المطيع، يمكن أن يعدّ المسرح لزعيم جديد، ليس بالضرورة بالآليات نفسها، ولكن بالعقلية نفسها التي تلعب دور المخرج وكاتب السيناريو. هكذا "يدار" مسرح حياتنا منذ مائة عام أو يزيد، حينما انتهى نظام الخلافة العثماني، وورثه نظام دولي جديد جعل الحل والعقد السياسي في يدي ثلة من الدول (مجلس الأمن) والاقتصادي بيدي صندوق النقد وكارتير النفط والدواء والسلاح.
هل انتهت صلاحية السيسي؟ كل المؤشرات ما وراء الحدث تقول هذا، وإن كنتَ لن تجد زعيما أو سياسيا في هذا العالم يمكن أن يقول هذا صراحة، لأن مهمة تغيير الحكام مسندةٌ لمن يعملون وراء الكواليس وتحت الأرض، فهم الذين يخططون و"الجماهير!" تنفذ.
بعد 60 ألف معتقل، و2532 محكوما عليه بالإعدام و6500 مخف قسريا، و75 ألف مطارد، لم يستطع "الرجل" أن يحقّق المطلوب منه، لذا صار عليه أن يرحل، من دون أن يختار المصير الذي ينتظره، ولا ندري كيف سيرحل، هل على طريقة بن علي أو القذافي أو مبارك، أو وفق "مشهد ختامي" مبتكر وغير متوقع.
كان حديث الصديق طويلا ومملا ومفزعا، لكنه يفوق كثيرا ما نقرأه عن أحوال مصر وأهوالها. وما ورد أعلاه لا يعدو نقطة في بحر، فمصر التي لم أزرها منذ الانقلاب لم تعد هي نفسها قبله. ويكفي أن نتوقف عند حديث الشاب المقاول والممثل المغمور، لندرك أن البلد على أبواب حدثٍ كبير، سمّه ثورة أو موجة ثورية جديدة، أو انقلابا، لكن دوام حالها بات من المحال.
(2)
"أين هو دكتاتوري المفضل؟" عبارة تداولتها وسائل الإعلام بكثافة في الأيام الماضية، هكذا تحدث الرئيس الأميركي، ترامب، عن عبد الفتاح السيسي، فهو وهم وكلنا يعرفون أن هذا الدكتاتور هو المفضل لديهم، فهو "تعهّد" بقتل مصر، وخنق روحها، ووجد من الدعم الغربي والعربي ما يؤهله ليبقى رابضا على صدور المصريين عقودا كثيرة. ولكنه، كما يبدو، لم ينجح في الاختبار، وصار لزاما عليه أن يرحل، ولكن كيف؟ هذا هو السؤال. هم جاؤوا به، وهم سينهونه، ليس لأنه لم يخدمهم على الوجه المطلوب، بل لأنه خدم بطريقة فجّة، و"ارتكب" أكثر مما ينبغي من أفعال، أوصلت الخزّان البشري العربي الأضخم على شفا الانفجار. وانفجار هذا الخزان هو أسوأ كوابيس من دعموه، فالمطلوب كان تنويم مصر وتحييدها وإخراجها من دائرة الفعل، استمرارا لمهمة من سبقوه من الحكام العسكر، وجعلها جزءا من حماية المشروع الصهيوني وحراسته، وسحق التطلعات الشعبية في التحرّر والانعتاق، والثورة الحقة، لا تدميرها ونهبها بكل خشونةٍ ورعونة، وتجويع شعبها، وتخريب اقتصادها، وتحويلها إلى مزرعةٍ لعصبة من الضباط والمنتفعين. لقد فعل السيسي أكثر بكثير مما هو مطلوب منه، حتى بات عبئا على مموليه وداعميه.
(3)
فجأة انفجرت فيديوهات محمد علي الذي وصفته الصحافة الأجنبية بأنه المقاول الذي هز عرش السيسي (اضطر أن يرد بنفسه على ما ورد في الفيديوهات التي بثها الشاب، حتى إذا أمسك
لا أشكك في وطنية هذا الشاب المصري الجريء، ولكن كما هو معتاد في بلاد الشرق، هناك من يستثمر الحدث لصالحه، ليس بالضرورة أن يصنعه كله ابتداء، فيكفي أن يرى طرف خيط لكي يُمسك به، ويصنع منه قطعة قماشٍ كاملة، وكما تم القضاء على الرئيس محمد مرسي بـ "إرادة شعبية" ومليونيات هليوودية، وجيء بالجنرال المطيع، يمكن أن يعدّ المسرح لزعيم جديد، ليس بالضرورة بالآليات نفسها، ولكن بالعقلية نفسها التي تلعب دور المخرج وكاتب السيناريو. هكذا "يدار" مسرح حياتنا منذ مائة عام أو يزيد، حينما انتهى نظام الخلافة العثماني، وورثه نظام دولي جديد جعل الحل والعقد السياسي في يدي ثلة من الدول (مجلس الأمن) والاقتصادي بيدي صندوق النقد وكارتير النفط والدواء والسلاح.
هل انتهت صلاحية السيسي؟ كل المؤشرات ما وراء الحدث تقول هذا، وإن كنتَ لن تجد زعيما أو سياسيا في هذا العالم يمكن أن يقول هذا صراحة، لأن مهمة تغيير الحكام مسندةٌ لمن يعملون وراء الكواليس وتحت الأرض، فهم الذين يخططون و"الجماهير!" تنفذ.
بعد 60 ألف معتقل، و2532 محكوما عليه بالإعدام و6500 مخف قسريا، و75 ألف مطارد، لم يستطع "الرجل" أن يحقّق المطلوب منه، لذا صار عليه أن يرحل، من دون أن يختار المصير الذي ينتظره، ولا ندري كيف سيرحل، هل على طريقة بن علي أو القذافي أو مبارك، أو وفق "مشهد ختامي" مبتكر وغير متوقع.