10 نوفمبر 2024
هل بدأت في تونس الحرب على الفساد؟
نظرا للطابع المفاجئ للهجوم المعاكس الذي يشنه حاليا رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، ضد من يوصفون في بلاده برؤوس الفساد، فقد انتاب كثيرين شكٌّ بشأن مدى جدّية هذه العملية، كما تساءل آخرون بشأن مدى قدرته أن يذهب فيها بعيدا في هذه الحرب الخطرة والمعقدة.
لم يكن أحدٌ يتوقع، قبل اعتقال أربعة من الحيتان الكبيرة، أن هناك فعلا رغبة جدية في إعلان الحرب على الفساد، وأن هذه الحرب لن تكتفي بملاحقة العناصر التنفيذية الصغيرة المتسرّبة في كثير من مفاصل الدولة، وإنما ستُخاض بشكلٍ مباشر ضد كبار القوم من أصحاب الشوكة الذين يُخشى جانبهم، ولم تجرؤ الحكومات السابقة على الاقتراب منهم أو إيذائهم، نظرا لسطوتهم ولطول أياديهم وأصابعهم. الوحيد الذي اقترب من جحر أفاعي كبار المهرّبين هو مهدي جمعة، في آخر أيام توليه رئاسة حكومة التكنوقراط، لكن محاولته فشلت، عندما لاحظ أن معظم من أذن بإيقافهم تم إطلاق سراحهم لاعتبارات إجرائية!.
جاءت الاعترافات المفصلة التي قدمها صهر الرئيس المخلوع بن علي إلى هيئة الحقيقة والكرامة، لتعجل بالشروع في تنفيذ الخطة التي بدأ رئيس الحكومة إعدادها سرّا. لقد رسم عماد الطرابلسي صورة دقيقة لمنظومة الفساد التي تأسست في العهد السابق، وتعاظم شأنها بعد الثورة. شهد شاهد من أهلها.
تمتعت هذه الحيتان بسلطةٍ خفيةٍ كادت أن تصبح قاهرةً، حيث تجنّبت الحكومات المتعاقبة الاصطدام بها بسبب فقدان الدليل، أو الخوف منها، أو طمعا فيها، أو نظرا لضعف التشريعات. لكن، بعد أن رفع الغطاء، لم يعد من الممكن غضّ البصر، خصوصا وقد أصبحت الحكومة ورئاسة الجمهورية متهمتين، إلى جانب حزبي نداء تونس والنهضة بالتواطؤ مع شبكات الفساد. لهذا، وجد الشاهد نفسه مدفوعا نحو الشروع في اصطياد الكواسر، قبل أن تحتجب عن الأنظار.
لن تكون معركة "الأيادي النظيفة" سهلةً، لأن المستهدفين أشخاصٌ يتحرّكون خارج دائرة القانون، ولديهم القدرة على إرباك الأجهزة وتعجيزها. وحتى تنتصر الحكومة في هذه المعركة يجب أن تتمتع بإرادةٍ سياسية فولاذية، وبدعم شعبي واسع النطاق، وبتأييد أهم التشكيلات الحزبية في البلد، وبتعاونٍ دوليٍّ واضح. فمواجهة الفساد لا تختلف، في خطورتها وحجمها، عن محاربة الإرهاب، بل هما وجهان لعملة واحدة. ولهذا السبب، استعد الشاهد لهذه الحرب منذ أشهر، واختار أسلوب التحرك المفاجئ، واستعمال قانون الطوارئ، ووضع الموقوفين في أماكن سرية، وأسرع بمصادرة ممتلكاتهم، بعد جردها وتدقيقها، ومنع أقاربهم وشركاءهم من السفر، وقرّر انتداب قضاةٍ جدد مع الوعد بتحسين شروط عملهم، وتهيئة الرأي العام لحربٍ ستطول.
قال الشاهد إن هناك الفساد وهناك الدولة، وهو قد اختار تونس، أي انحاز إلى الدولة. ولهذا السبب، ارتفعت شعبيته، واضطرت أغلب الأحزاب إلى تأييده في هذه المعركة، بل ومطالبته بألا يفكر في التراجع عنها، مهما اشتدّت الضغوط عليه. أعلن الجميع أنهم ضد شبكات الفساد، بمن في ذلك المرتبطون بها عضويا من تجار السوق السوداء، وبرلمانيون وسياسيون، منهم من تحصّن بحزبٍ حاكم، إلى جانب إعلاميين وإداريين. لا يكاد يوجد أي قطاع اقتصادي إلا واخترقته هذه الشبكات من أجل تحويل وجهته، ومحاولة جعله في خدمة أعداء الدولة. ومن المؤكد أن التونسيين سيصابون بالذهول، عندما يُحال عشراتٌ من هؤلاء على القضاء بتهمة التورّط في تخريب الاقتصاد الوطني.
بعد إسقاط حكم بن علي، نجح التونسيون في التغلب على تحديّين رئيسيّين، تأمين الشوط الأول من الانتقال السياسي بطريق سلمية، والصمود في وجه الإرهاب الذي كاد أن يعصف بالجمهورية وبالدولة. وها هم اليوم يعقدون العزم على مواجهة أخطبوط الفساد واقتلاعه من جذوره. مهمة ليست مستحيلةً إذا توفرت الإرادة السياسية، وتضافرت جهود الجميع، وأغلقت مختلف المنافذ التي يمكن أن يتسّرب منها اللصوص، وطبقت القوانين بجدية، وأدركت الأغلبية أن هذه المعركة ستكون مصيريةً، فكل خيانةٍ هي أشبه بمن يُحدث ثغرةً في حصن وطن محاصر ومهدّد.
لم يكن أحدٌ يتوقع، قبل اعتقال أربعة من الحيتان الكبيرة، أن هناك فعلا رغبة جدية في إعلان الحرب على الفساد، وأن هذه الحرب لن تكتفي بملاحقة العناصر التنفيذية الصغيرة المتسرّبة في كثير من مفاصل الدولة، وإنما ستُخاض بشكلٍ مباشر ضد كبار القوم من أصحاب الشوكة الذين يُخشى جانبهم، ولم تجرؤ الحكومات السابقة على الاقتراب منهم أو إيذائهم، نظرا لسطوتهم ولطول أياديهم وأصابعهم. الوحيد الذي اقترب من جحر أفاعي كبار المهرّبين هو مهدي جمعة، في آخر أيام توليه رئاسة حكومة التكنوقراط، لكن محاولته فشلت، عندما لاحظ أن معظم من أذن بإيقافهم تم إطلاق سراحهم لاعتبارات إجرائية!.
جاءت الاعترافات المفصلة التي قدمها صهر الرئيس المخلوع بن علي إلى هيئة الحقيقة والكرامة، لتعجل بالشروع في تنفيذ الخطة التي بدأ رئيس الحكومة إعدادها سرّا. لقد رسم عماد الطرابلسي صورة دقيقة لمنظومة الفساد التي تأسست في العهد السابق، وتعاظم شأنها بعد الثورة. شهد شاهد من أهلها.
تمتعت هذه الحيتان بسلطةٍ خفيةٍ كادت أن تصبح قاهرةً، حيث تجنّبت الحكومات المتعاقبة الاصطدام بها بسبب فقدان الدليل، أو الخوف منها، أو طمعا فيها، أو نظرا لضعف التشريعات. لكن، بعد أن رفع الغطاء، لم يعد من الممكن غضّ البصر، خصوصا وقد أصبحت الحكومة ورئاسة الجمهورية متهمتين، إلى جانب حزبي نداء تونس والنهضة بالتواطؤ مع شبكات الفساد. لهذا، وجد الشاهد نفسه مدفوعا نحو الشروع في اصطياد الكواسر، قبل أن تحتجب عن الأنظار.
لن تكون معركة "الأيادي النظيفة" سهلةً، لأن المستهدفين أشخاصٌ يتحرّكون خارج دائرة القانون، ولديهم القدرة على إرباك الأجهزة وتعجيزها. وحتى تنتصر الحكومة في هذه المعركة يجب أن تتمتع بإرادةٍ سياسية فولاذية، وبدعم شعبي واسع النطاق، وبتأييد أهم التشكيلات الحزبية في البلد، وبتعاونٍ دوليٍّ واضح. فمواجهة الفساد لا تختلف، في خطورتها وحجمها، عن محاربة الإرهاب، بل هما وجهان لعملة واحدة. ولهذا السبب، استعد الشاهد لهذه الحرب منذ أشهر، واختار أسلوب التحرك المفاجئ، واستعمال قانون الطوارئ، ووضع الموقوفين في أماكن سرية، وأسرع بمصادرة ممتلكاتهم، بعد جردها وتدقيقها، ومنع أقاربهم وشركاءهم من السفر، وقرّر انتداب قضاةٍ جدد مع الوعد بتحسين شروط عملهم، وتهيئة الرأي العام لحربٍ ستطول.
قال الشاهد إن هناك الفساد وهناك الدولة، وهو قد اختار تونس، أي انحاز إلى الدولة. ولهذا السبب، ارتفعت شعبيته، واضطرت أغلب الأحزاب إلى تأييده في هذه المعركة، بل ومطالبته بألا يفكر في التراجع عنها، مهما اشتدّت الضغوط عليه. أعلن الجميع أنهم ضد شبكات الفساد، بمن في ذلك المرتبطون بها عضويا من تجار السوق السوداء، وبرلمانيون وسياسيون، منهم من تحصّن بحزبٍ حاكم، إلى جانب إعلاميين وإداريين. لا يكاد يوجد أي قطاع اقتصادي إلا واخترقته هذه الشبكات من أجل تحويل وجهته، ومحاولة جعله في خدمة أعداء الدولة. ومن المؤكد أن التونسيين سيصابون بالذهول، عندما يُحال عشراتٌ من هؤلاء على القضاء بتهمة التورّط في تخريب الاقتصاد الوطني.
بعد إسقاط حكم بن علي، نجح التونسيون في التغلب على تحديّين رئيسيّين، تأمين الشوط الأول من الانتقال السياسي بطريق سلمية، والصمود في وجه الإرهاب الذي كاد أن يعصف بالجمهورية وبالدولة. وها هم اليوم يعقدون العزم على مواجهة أخطبوط الفساد واقتلاعه من جذوره. مهمة ليست مستحيلةً إذا توفرت الإرادة السياسية، وتضافرت جهود الجميع، وأغلقت مختلف المنافذ التي يمكن أن يتسّرب منها اللصوص، وطبقت القوانين بجدية، وأدركت الأغلبية أن هذه المعركة ستكون مصيريةً، فكل خيانةٍ هي أشبه بمن يُحدث ثغرةً في حصن وطن محاصر ومهدّد.