وبحسب المنظمة الدولية، فإن خط الهجرة/اللجوء البحري في المتوسط تحوّل بعد رفض إيطاليا فتح موانئها، بقرار من وزير الداخلية المتشدد ماتيو سالفيني، أمام مراكب اللاجئين، وبواخر الإنقاذ، ما أدى إلى تدخل السلطات الإسبانية، بشكل أوسع مما كان سابقا. وفي ظل حكومة
اليساري بيدرو سانشيز، تبدو عمليات الإنقاذ والاستقبال في تزايد خلال الفترة الأخيرة. وخصوصا بعد فتح موانئ إسبانيا لباخرة "أكواريوس"، واستقبال 630 لاجئا بعدما أدى الرفض الإيطالي لاستقبالهم إلى ما يشبه أزمة إنسانية في عرض البحر.
وأوضحت المنظمة، إنقاذ سفن إسبانية لنحو 500 من المهاجرين في المتوسط، وقد تواجد هؤلاء على متن 30 زورقا مطاطيا، ما يعني أنها أرقام غير تلك التي وصلت من خلال عمليات إنقاذ متطوعين أوروبيين.
وتوثق تقارير المنظمة مسار خط الهجرة البحري وعمليات الإنقاذ، وفقا للسلطات الأمنية الإسبانية التي تفيد بأن هذا المسار "انطلاقا من مضيق جبل طارق، الفاصل بين المغرب وإسبانيا".
وشهد الشهر الماضي تجاذبا أوروبيا فيما يخص نحو 630 مهاجرا على متن سفينة الإنقاذ "أكواريوس"، بعد رفض إيطاليا ومالطا استقبالها، ما جعل الحكومة الإسبانية، بعد أيام من السجال بين عواصم أوروبية وروما، تفتح ميناء فالنسيا لاستقبالها. وحذر حينها عدد من خبراء الهجرة من "تحول إسبانيا إلى هدف جديد لقوارب الهجرة"، فيما بررت حكومة إسبانيا الجديدة استقبالها لأكواريوس بدواع إنسانية والالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية.
مخاوف تغيير وجهة الهجرة من المغرب نحو أوروبا، كانت قد عبرت عنها وكالة حراسة الحدود الأوروبية الخارجية، فرونتيكس في الثامن من يوليو/تموز الحالي بالقول: "ربما الخط من المغرب إلى إسبانيا في طريقه ليصبح رئيسيا بالنسبة للهجرة والوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي".
واعتبرت فرونتيكس أن بعض المؤشرات تشير إلى أن "سواحل إسبانيا صارت هدفا"، وتعرض أرقاما عن تضاعف عدد الوافدين بثلاث مرات بين 2016 و2017، حيث وصل إليها في العام الأخير نحو 22 ألفا.
وكان رئيس الوكالة، فابريس لغيري، قد عبّر لصحيفة "فيلت إم سونتاغ" الألمانية عن اعتقاده بأن هذا الخط، إلى أوروبا عبر إسبانيا، يتحول مع الوقت "إلى خط رئيس في مسار الهجرة، وإذا ما سألني أحد عن قلقي الأكبر حاليا فإنه يرتبط بإسبانيا".
ومقابل عدد 16 ألف مهاجر في نصف السنة الحالية، فإن منظمة الهجرة الدولية رصدت في 2017 حوالي 6500 مهاجر نحو إسبانيا، فيما وصل في شهر يونيو/حزيران الماضي إلى شواطئ إسبانيا حوالي 6 آلاف مهاجر. وبالنسبة لغيري فإن "هذه الأرقام إذا استمرت على ذات المنحى التصاعدي، فإن المسار سيكون هو الرئيس في رحلة الهجرة".
وحتى وقت قريب كانت اليونان وإيطاليا تشكلان الخط البحري الأساسي للمهاجرين واللاجئين المنطلقين من الضفة الجنوبية للمتوسط ومن خلال بحر إيجه، بيد أن اتفاقيات الاتحاد الأوروبي مع تركيا، قبل عامين، حدت من تدفق اللاجئين نحو الجزر اليونانية، وأدى قدوم حكومة متشددة في روما إلى مزيد من رفض رسو السفن والقوارب المحملة بالمهاجرين.
وتذهب الحكومة الإيطالية نحو عقد اتفاقيات ودعم للبحرية الليبية لوقف الانطلاق من شواطئ البلد نحو إيطاليا. وبالفعل يبدو أن الليبيين بحسب مسؤول فرونتيكس، باتوا "يغلقون الثغرات ويعممون دوريات خفر سواحل أكثر"، حيث إن التوجه غربا بات الطريقة المفضلة للباحثين عن طرق بحرية للهجرة نحو أوروبا.
وشهدت دول أوروبا سجالا وانتقادات وصلت إلى حد الملاسنة بين ساسة فرنسا وإيطاليا، بسبب اللاجئين، وهددت قضية الهجرة تماسك الحكومة الألمانية بعد تهديد وزير داخليتها بفرط عقد الحكومة الائتلافية إن لم تتخذ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، قرارا متشددا بشأن الهجرة.
ومن بين الحلول التي عمل عليها الأوروبيون، مؤخرا، زيادة أعداد وكالة حراس الحدود في فرونتيكس إلى نحو 10 آلاف خلال عامين، بدلا من 9 أعوام كما كان مخططا، إضافة إلى مقترحات تتعلق بنقاط استقبال حدودية والتسريع بترحيل "مهاجري الوضع الاقتصادي" والبحث في إمكانية تطبيق إقامة معسكرات استقبال ودراسة وضع في دول ثالثة، وهو الأمر الذي لا يزال قيد البحث في ظل غياب موافقات صريحة من دول مقترحة، بما فيها ليبيا وتونس ومصر.
وتحاول السلطات الأوروبية تنفيذ ما اتفقت عليه مؤخرا، رغم أن البعض لا يعول كثيرا على التطبيق، بشأن مراكز "طوعية" لدراسة وضع كل مهاجر يجري التقاطه في المياه الإقليمية للاتحاد الأوروبي. ومن بين تلك الإجراءات التي يأمل الأوروبيون تطبيقها أن "يُرفض المهاجرون لأسباب اقتصادية وتتم إعادتهم إلى بلادهم، فيما الأشخاص الذين لديهم حق اللجوء يجري توزيعهم بشكل طوعي بين الدول".
المخاوف الأوروبية من تحول إسبانيا إلى مسار بحري رئيسي للتهريب نحو أوروبا، تترافق مع خشية مختصين وباحثين أوروبيين من أن "كرم حكومة اليسار في إسبانيا يمكن أن يتحول، في ظل غياب سياسة أوروبية موحدة وواضحة بالنسبة للهجرة، إلى عبء على أوروبا وعلى مدريد نفسها"، بحسب ما يذكر الباحث جون أوسترغورد لـ"العربي الجديد".
ويتخوف البعض من أن تجد حكومة سانشيز نفسها تحت ضغط اليمين ويمين الوسط، "إذا ما أخذ المشهد يصبح مثيلا لما كان عليه في إيطاليا، وخصوصا مع غياب تضامن أوروبي واضح".