تعقد أسواق المال العالمية المضطربة آمالاً قوية على المحادثات التجارية الجارية في بكين بين مسؤولين أميركيين وصينيين لحل نقاط الخلاف التجاري بين البلدين، التي تسببت في زرع الفوضى بالبورصات، وقلق استثماري دام طوال العام الماضي.
وفي ترجمة لهذا التفاؤل، ارتفعت مؤشرات البورصات الآسيوية لدى إغلاقها أمس الأثنين، حيث كسب مؤشر نيكاي الرئيسي لقياس الأسهم اليابانية أكثر من 3.0%، كما ارتفعت كذلك مؤشرات الأسهم في كل من هونغ كونغ وبكين وشنغهاي. وارتفعت الأسهم الأوروبية قليلاً في بداية التعاملات الأوروبية.
وبدأ مسؤولون أميركيون اجتماعات مع نظرائهم في بكين، وهي أول محادثات مباشرة منذ أن اتفق الرئيسان الأميركي دونالد ترامب والصيني شي جين بينغ في ديسمبر/ كانون الأول، على هدنة مدتها 90 يوماً في الحرب التجارية في اجتماع على هامش قمة العشرين التي عقدت في الأرجنتين الشهر الماضي.
وكان ترامب قد قال، يوم الأحد، إن المحادثات التجارية مع الصين تسير بشكل جيد للغاية، وإن الضعف في الاقتصاد الصيني منح بكين سبباً للعمل باتجاه عقد صفقة. ولكن يرى خبراء أنه من غير المتوقع أن تقود هذه المحادثات إلى اتفاق نهائي، لأن الوفد الأميركي لا يضم كبار مسؤولي التجارة، وإنما ستكون هذه المحادثات "تمهيدية لرسم الخطوط العريضة" لاتفاق ربما يتم التوصل إليه قبيل حلول شهر مارس/ آذار المقبل.
وما يدفع للتفاؤل بنجاح المحادثات ونزع فتيل الحرب التجارية، أن كلا من أميركا والصين يواجهان في الوقت الراهن متاعب اقتصادية قد تنتهي إلى أزمة مالية. فالاقتصاد الصيني يواجه مشكلة في الصادرات وتباطؤاً في النمو وأزمة في السيولة مع تزايد حجم الدين الدولاري إلى أكثر من 1.2 ترليون دولار. كما يتراجع الفائض التجاري الصيني تبعاً لتراجع حجم الصادرات. وفي واشنطن تدخل سوق المال الأميركية منعطفاً خطيراً مع تواصل التذبذبات الحادة في المؤشرات الرئيسية.
وكان قطاع التكنولوجيا قد تلقى ضربات عنيفة في الأسواق الأميركية والأوروبية بعد تحذير شركة آبل بشأن المبيعات. وجاء التحذير بسبب المخاوف من أن تؤدي الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وتباطؤ الاقتصاد الصيني إلى تآكل أرباح الشركة أكثر من التوقعات.
ومن المعروف أن الرئيس ترامب يسعى بكل جهده للمحافظة على ارتفاع سوق المال الأميركية الذي ينظر إليه كـ"حصان رهان أساسي" في الانتخابات الرئاسية المقبلة.وكلا الاقتصادين الصيني والأميركي لديه تأثير كبير على النمو العالمي، حيث يقدر حجم الاقتصاد الأميركي بحوالى 20 ترليون دولار، فيما يقدر حجم الاقتصاد الصيني بحوالى 11 ترليون دولار، وذلك وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي.
في هذا الصدد، يقول البروفسور شي يونغ هونغ، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة رينمين ببكين، في تعليقات لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية: "أعتقد أن هنالك احتمالاً لتوصل الجانبين لاتفاق قبل حلول مارس/ آذار المقبل". ويرى البروفسور يونغ هونغ أن الضغوط الاقتصادية والمالية ستجبر الطرفين على تقديم تنازلات.
وحسب وكالة رويترز، يتشبث المستثمرون بآمال قوية بأن واشنطن وبكين ستحرزان تقدماً بشأن إنهاء الخلاف التجاري الذي أدى إلى اضطراب في النمو العالمي وخفض الطلب على السلع الرئيسية ومن ثم إلى انهيار أسعارها. وقالت وزارة الخارجية الصينية، أمس الاثنين، إن بكين وواشنطن ترغبان في العمل معاً بشأن التجارة، مع استئناف أكبر اقتصادين في العالم محادثات في مسعى لإنهاء نزاع تجاري.
وفي هذا الصدد، قال جاري شابيرو، الرئيس والمدير التنفيذي لجمعية تكنولوجيا المستهلك الأميركية، إنه يتمنى أن يرى علاقات تجارية "طبيعية" بشكل أكبر مع الصين، مشيراً إلى أن الرسوم الجمركية ليست الآلية الصحيحة لحل هذه المشاكل.
وقد أدلى شابيرو بهذه التصريحات خلال مقابلة مع وكالة أنباء "شينخوا" قبل فعاليات معرض الإلكترونيات الاستهلاكية لعام 2019، الذي سوف يقام في لاس فيغاس ابتداء من اليوم الثلاثاء، ويستمر حتى يوم الجمعة.
وقال شابيرو: "الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية تكلف صناعة التكنولوجيا الأميركية والمستهلك الأميركي نحو مليار دولار في الشهر"، مشيراً إلى أن هذا يرتكز على مقارنة البيانات في الفترة ما بين أكتوبر/ تشرين الأول 2017 وأكتوبر 2018.
من جانبه، قال لو كانغ، المتحدث باسم الخارجية الصينية، للصحافيين، إن الجانبين اتفقا على عقد محادثات وحوار "إيجابي وبناء" لحل النزاعين الاقتصادي والتجاري بما يتماشى مع التفاهمات التي توصل إليها رئيسا البلدين.
وقال لو: "منذ البداية نعتقد أن النزاع التجاري الأميركي الصيني ليس وضعاً إيجابياً لاقتصاد كل من البلدين أو العالم. الصين لديها نية حسنة، على أساس الاحترام المتبادل والمساواة، لحل النزاعات التجارية الثنائية".
وفرض ترامب رسوماً على سلع صينية بمئات المليارات من الدولارات العام الماضي وهدد بالمزيد للضغط على بكين لتغيير ممارساتها بشأن مسائل متنوعة من الدعم الصناعي إلى حقوق الملكية الفكرية والقرصنة. وردت الصين بفرض رسوم خاصة بها.
وقال لو: "في ما يخص ما إذا كان الاقتصاد الصيني جيداً أم لا، شرحت هذا بالفعل. التنمية الصينية تتمتع بصلابة كبيرة وإمكانيات ضخمة... لدينا ثقة قوية في العوامل الأساسية الطويلة الأمد للاقتصاد الصيني".