05 نوفمبر 2024
هل سيتحقق المسعى التركي في المنطقة الآمنة؟
يكتسي الاتفاق التركي والأميركي، بشأن إنشاء منطقة آمنة في منطقة شرقي الفرات السورية، أهمية كبيرة لتركيا، على الرغم من كونه اتفاقاً مبدئياً، وليست هناك آليات ملزمة لتنفيذه، خصوصا بالنسبة إلى الطرف الأميركي، ذلك أن سبل تنفيذه على الأرض أوكلت إلى مركز تنسيق عسكري مشترك، وإلى ما ستتمخض عنه اجتماعات مقبلة بين مسؤولين عسكريين وسياسيين من الطرفين.
ولعل الشروع بإنشاء مركز التنسيق المشترك، في قضاء أكجا قلعة التابع لولاية شانلي أورفا الحدودية مع سورية، والذي يتولى أمور إنشاء المنطقة الآمنة، خطوة في اتجاه ترجمة الاتفاق على الأرض، وإطلاق عملية تأسيس منطقة آمنة، لأول مرة، في منطقة شرقي الفرات، إلا أن خلافات كبيرة ما تزال قائمة بين ما يريده المسؤولون الأتراك وما يريده المسؤولون الأميركيون من هذه المنطقة، إذ يصل الأمر حتى إلى الاختلاف في المفهوم والمصطلح، حيث يتحدث الساسة والعسكريون الأميركان عما يشبه منطقة عازلة، تفصل ما بين المناطق التي تسيطر عليها مليشيات وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) ومخرجاتها في سورية، وبين الحدود التركية التي تشهد حشودات عسكرية ضخمة.
ويقترب المفهوم الأميركي من مفهوم المناطق الأمنية التي تقام، عادة، في مناطق النزاعات المسلحة، بغية حماية السكان المدنيين فيها، حيث لا تتحكّم فيها قوات طرف معين، بل تكون محايدة ومنزوعة السلاح، وتهدف بالأساس إلى تأمين الحاجات الإنسانية لساكنيها من أمن وغذاء ودواء. أما المسؤولون الأتراك فغايتهم إنشاء منطقة آمنة، تشرف على تأمين أمنها وحمايته قوات تركية، وليس لديهم مانع من وجود قوات أميركية أو محايدة من طرف ثالث، وأن تستقبل هذه المنطقة اللاجئين السوريين الذين سيتم إعادتهم إليها من تركيا. ويأمل المسؤولون الأتراك في أن يتم تحويلها من "ممر للإرهاب"، إلى "ممر للسلام"، ما يعني إبعاد مليشيات وحدات حماية الشعب الكردية، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية
(PYD)، والتي تصنفها تركيا منظمة إرهابية، وتسعى إلى تجريدها من أسلحتها الثقيلة والمتوسطة، وهو أمر يرفضه العسكريون والساسة الأميركيون، نظراً لأنهم يعتبرونها قوات حليفة لهم، استخدموها في حربهم ضد تنظيم داعش، ويريدون المحافظة عليها وحمايتها من أي تهديد محتمل، سواء جاء من تركيا أم من سواها.
غير أن تفاصيل إنشاء المنطقة الآمنة ما تزال غامضة، ومختلفا عليها بين الطرفين، التركي والأميركي، إذ يطالب المسؤولون الأتراك بأن تمتد المنطقة الآمنة على طول 460 كلم، بدءاً من الضفة الشرقية لنهر الفرات وصولاً إلى الحدود السورية العراقية، وعلى عمق يتراوح من 32 إلى 40 كلم، من أجل قطع التواصل ما بين عناصر وحدات حماية الشعب الكردية وعناصر حزب العمال الكردستاني التركي (PKK) في جبال سنجار وجبال قنديل وسواهما.
في المقابل، يرى الساسة والعسكريون الأميركان أن المنطقة الآمنة يجب أن لا يتجاوز طولها 140 كلم، وأن عمقها يمتد من 5 إلى 15 كلم، بحيث لا تدخل التجمعات السكانية ذات الغالبية الكردية ضمن المنطقة الآمنة، ما يعني استثناء مدن وبلدات مثل عين العرب (كوباني) والحسكة والقامشلي وسواها، ولا مانع لديهم أن تشمل مدينة رأس العين وتل أبيض ومناطق أخرى قليلة التعداد السكاني. ويرون أن أمن المنطقة يجب أن يسند إلى قوات محلية، ومشاركة ما تسمى مليشيات "قوات سورية الديمقراطية".
وفيما يلح الساسة والعسكريون الأتراك على ضرورة الإسراع في إنشاء المنطقة الآمنة، ويحذرون من المماطلة والتلكؤ الأميركيين، على غرار ما حصل في اتفاق منبج بين الطرفين،
فإن الساسة والعسكريين الأميركان ليسوا في عجلة من أمرهم، كونهم يعتبرون أن "التفاهم الذي توصلت إليه الولايات المتحدة مع تركيا، والخاص بإقامة منطقة آمنة في شمال شرقي سورية مبدئي، وليس نهائياً، وإن المباحثات بين مسؤولي البلدين لا تزال جارية للوقوف على تفاصيل كثيرة"، حسبما أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، بينما اعتبر وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، أن بلاده لن تتحمل أي تأخير أميركي أو "مماطلة" بشأن إقامة "المنطقة الآمنة"، وحذّر من أن "تركيا لن تتحمل أي أساليب تأخير في إقامة المنطقة الآمنة داخل الحدود السورية".
وتطرح الخلافات التركية الأميركية حول مفهوم المنطقة الآمنة وتفاصيل إنشائها السؤال عن إمكانية تحقيق مسعى الطرف التركي، وتنفيذ مطالبه في هذه المنطقة، إذ إن الغاية التركية الأساسية هي التخلص من أي تهديد محتمل، يمكن أن تشكله مليشيات وحدات حماية الشعب الكردية في سورية على الأمن القومي التركي، ذلك أن الساسة الأتراك باتوا ينظرون، منذ سقوط أحياء حلب الشرقية في نهاية العام 2016، إلى القضية السورية من منظار الورقة الكردية، وتهديداتها على الأمن التركي، ولذلك حاولوا بناء تفاهمات واتفاقات مع الروس في مسار أستانة الذي جلب الويلات للسوريين وثورتهم، وحاولوا أيضا بناء تفاهماتٍ مع الأميركيين، وهذا مكّنهم من القيام بعمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون". وبالتالي، هل سينسحب الأمر أيضاً على منطقة شرق الفرات، وما هو الثمن في المقابل؟
تتطلب إشادة المنطقة الآمنة في منطقة شرقي الفرات أيضاً موقفاً روسياً غير رافض لها، على
الأقل، وهذا يفسر تجنب ساسة الكرملين وعسكرييه المسارعة في اتخاذ أي موقف حيال الاتفاق التركي الأميركي حول المنطقة الأمنة، على الرغم من أنهم لم يخفوا قلقهم من هذا الاتفاق، وإمكانية صنعه واقعا جديدا في الشمال السوري. ولذلك عبّرت الناطقة الرسمية باسم وزارة الدفاع الروسية عن قلق ساسة موسكو إزاء ما اعتبرته محاولات فصل شمالي سورية، وذلك من باب حرص نظام بوتين على "وحدة سورية وسيادتها"، بوصفها يافطة يرفعها زورا وبهتاناً هذا النظام الذي تحتل قواته مناطق واسعة من سورية، في وجه أي قوة أخرى تريد تقاسم احتلاله ونفوذه في سورية أو التأثير عليهما.
ويبدو أن التوصل إلى تنفيذ الاتفاق التركي الأميركي حول المنطقة الآمنة ستكون له آثار مباشرة وقوية، على العلاقة بين ساسة موسكو وساسة أنقرة في الملف السوري. ولذلك كان ساسة الكرملين يدعون الساسة الأتراك على الدوام إلى العمل معهم بشكل مشترك في هذا الملف، وإلى عدم القيام بتصرّف أحادي، وكانوا يدفعونهم إلى التفاهم مع نظام الإجرام الأسدي للتفاهم معه على ترتيباتٍ أمينةٍ لتبديد مخاوفهم الأمنية، لكن الساسة الأتراك فضلوا التفاهم مع نظرائهم الأميركيين، فهل سيتحقق المسعى التركي في المنطقة الآمنة؟
ويقترب المفهوم الأميركي من مفهوم المناطق الأمنية التي تقام، عادة، في مناطق النزاعات المسلحة، بغية حماية السكان المدنيين فيها، حيث لا تتحكّم فيها قوات طرف معين، بل تكون محايدة ومنزوعة السلاح، وتهدف بالأساس إلى تأمين الحاجات الإنسانية لساكنيها من أمن وغذاء ودواء. أما المسؤولون الأتراك فغايتهم إنشاء منطقة آمنة، تشرف على تأمين أمنها وحمايته قوات تركية، وليس لديهم مانع من وجود قوات أميركية أو محايدة من طرف ثالث، وأن تستقبل هذه المنطقة اللاجئين السوريين الذين سيتم إعادتهم إليها من تركيا. ويأمل المسؤولون الأتراك في أن يتم تحويلها من "ممر للإرهاب"، إلى "ممر للسلام"، ما يعني إبعاد مليشيات وحدات حماية الشعب الكردية، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية
غير أن تفاصيل إنشاء المنطقة الآمنة ما تزال غامضة، ومختلفا عليها بين الطرفين، التركي والأميركي، إذ يطالب المسؤولون الأتراك بأن تمتد المنطقة الآمنة على طول 460 كلم، بدءاً من الضفة الشرقية لنهر الفرات وصولاً إلى الحدود السورية العراقية، وعلى عمق يتراوح من 32 إلى 40 كلم، من أجل قطع التواصل ما بين عناصر وحدات حماية الشعب الكردية وعناصر حزب العمال الكردستاني التركي (PKK) في جبال سنجار وجبال قنديل وسواهما.
في المقابل، يرى الساسة والعسكريون الأميركان أن المنطقة الآمنة يجب أن لا يتجاوز طولها 140 كلم، وأن عمقها يمتد من 5 إلى 15 كلم، بحيث لا تدخل التجمعات السكانية ذات الغالبية الكردية ضمن المنطقة الآمنة، ما يعني استثناء مدن وبلدات مثل عين العرب (كوباني) والحسكة والقامشلي وسواها، ولا مانع لديهم أن تشمل مدينة رأس العين وتل أبيض ومناطق أخرى قليلة التعداد السكاني. ويرون أن أمن المنطقة يجب أن يسند إلى قوات محلية، ومشاركة ما تسمى مليشيات "قوات سورية الديمقراطية".
وفيما يلح الساسة والعسكريون الأتراك على ضرورة الإسراع في إنشاء المنطقة الآمنة، ويحذرون من المماطلة والتلكؤ الأميركيين، على غرار ما حصل في اتفاق منبج بين الطرفين،
وتطرح الخلافات التركية الأميركية حول مفهوم المنطقة الآمنة وتفاصيل إنشائها السؤال عن إمكانية تحقيق مسعى الطرف التركي، وتنفيذ مطالبه في هذه المنطقة، إذ إن الغاية التركية الأساسية هي التخلص من أي تهديد محتمل، يمكن أن تشكله مليشيات وحدات حماية الشعب الكردية في سورية على الأمن القومي التركي، ذلك أن الساسة الأتراك باتوا ينظرون، منذ سقوط أحياء حلب الشرقية في نهاية العام 2016، إلى القضية السورية من منظار الورقة الكردية، وتهديداتها على الأمن التركي، ولذلك حاولوا بناء تفاهمات واتفاقات مع الروس في مسار أستانة الذي جلب الويلات للسوريين وثورتهم، وحاولوا أيضا بناء تفاهماتٍ مع الأميركيين، وهذا مكّنهم من القيام بعمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون". وبالتالي، هل سينسحب الأمر أيضاً على منطقة شرق الفرات، وما هو الثمن في المقابل؟
تتطلب إشادة المنطقة الآمنة في منطقة شرقي الفرات أيضاً موقفاً روسياً غير رافض لها، على
ويبدو أن التوصل إلى تنفيذ الاتفاق التركي الأميركي حول المنطقة الآمنة ستكون له آثار مباشرة وقوية، على العلاقة بين ساسة موسكو وساسة أنقرة في الملف السوري. ولذلك كان ساسة الكرملين يدعون الساسة الأتراك على الدوام إلى العمل معهم بشكل مشترك في هذا الملف، وإلى عدم القيام بتصرّف أحادي، وكانوا يدفعونهم إلى التفاهم مع نظام الإجرام الأسدي للتفاهم معه على ترتيباتٍ أمينةٍ لتبديد مخاوفهم الأمنية، لكن الساسة الأتراك فضلوا التفاهم مع نظرائهم الأميركيين، فهل سيتحقق المسعى التركي في المنطقة الآمنة؟