23 فبراير 2019
هل نحن شعوب قاصرة؟
عمر بن أعمارة (المغرب)
لا أدري من هو طبيب الشعوب الذي وصف لنا في مرحلة ما من تاريخنا هذه الحمية الحضارية المدمرة: "اهجروا عقولكم واسكنوا غرائزكم، تفلحون في دنياكم ولآخرتكم".
ولا أدري على أيّة معطيات حضارية، تاريخية، اجتماعية، اقتصادية، دينية، عرقية، استند واشتغل؟ ولماذا؟ وإلى متى نستمر في هذا، على الرغم من أنّه لم تصبنا أي تخمة عقلية في تاريخنا إلا في لحظات قليلة ومتأخرة، وذلك مع كوكبة محدودة: المعتزلة، الجاحظ، بن الرواندي، البيروني، الخوارزمي، الرازي، ابن سينا، ابن رشد، ابن خلدون...
من هو هذا الذي يصر على أن يحشرنا دائما وأبدا مع فصيلة العقول المنتهية الصلاحيات والمتعوّدة على الأوهام والمعجزات والخرافات؟ حدود من كل الجهات ودوائر مغلقة أينما وليت وجهك، ما هذا الفائض من الجهل والمنع الذي نسبح فيه؟
عقول عجاف، والمشاعر تصحرت ولم تعد تجود، إنّه القحط الذي استوعب كل شيء، مع انسداد في الآفاق. لماذا نحن على هذا القدر الكبير من الفشل والابتذال؟ هل أتينا صفر اليدين إلى هذا العالم؟ أو حتى بدون أي مهمة؟ أنقذونا من هذا التملق المفرط للذات المترهلة.
لماذا ليس لدينا إلا النماذج الفاشلة؟ لماذا في كل مرة نصر على الإعلان بصريح العبارات، وبكل وقاحةٍ، عن كرهنا كل ما هو عقل وعقلانية؟ لماذا كلما فشلنا في خطوة ما، نحوّل الآخر إلى مشجبٍ نعلّق عليه كل أخطائنا وهفواتنا؟ لماذا لا يعرف النقد الذاتي طريقه إلينا ولو بنسب قليلة؟ لماذا في كل أعمالنا نشتغل مع الإصرار على استحضار الثلاثي القاتل (الجن، الآخر، الحسد والعين)، ونغيّب المرأة والطفل والشباب في كل مشاريعنا، ونفتح أبواب موائدنا الفكرية لكل رهط ينتمي إلى عالم السحر والشعوذة ونستدعيهم، تارة باسم الطب النبوي والحجامة، وأخرى باسم الرقية الشرعية أو بدعوى طرد العكس والنحس والأرواح الشريرة؟ أي من الشرور سوف لن تعرف طريقها إلينا بعد أن فرطنا في عقولنا وامتطينا كل الأوهام والأساطير؟
كل الأوثان التي حاربناها ما زالت حاضرة، وبقوة، ولم تأفل بعد، فلماذا أصبح كل شيء أكثر قبحا ومسخا مما كان؟ ما الذي جعلنا نكن كل هذه العداوات لكل ما هو عقل وعلم وفكر وفلسفة وعمل جاد؟ لماذا هجرنا كل ماله علاقة بالمنطق؟ فحتى الهدم لم يعد ينجز بدون منطق ولا خطط، فلماذا لا نجاور النمور والنسور واكتفينا بمجاراة الغربان والخفافيش؟
كل فرد منا بداخله أجراس عديدة، فلماذا نصر دائما ونلح على استعمال الجرس الذي يدعونا إلى المزيد من الكسل والاتكال والانتظار بدلا من أجراس اليقظة والاتجاه نحو المستقبل؟ لماذا نحسن الإنصات إلى الصوت الشيطاني في أنفسنا ولا نصغي إلى الصوت الملائكي فينا؟ لماذا غيّبنا صوت الله في كل أعمالنا؟ لماذا لا نتذكر ونستحضر المسافات الشاسعة التي تفصلنا عن غيرنا؟
لا نستطيع أن نكون شيئا آخر غير أنفسنا، ولا أن ننتمي إلى أي شكل للحياة من دون حضورنا الكامل. ما هذا الوضع الذي نحن عليه الآن؟ وكيف أصبحنا على ما نحن عليه ولماذا؟ شظايا التخلف فينا أصابت جميع الميادين والمجالات، فهل نحن شعوب قاصرة ولا نشتغل إلا تحت الفضاءات ذات السقوف المنخفضة؟ أي وعد قطعناه على أنفسنا كي نظل على حواشي التاريخ، وأن لا نسكن إلا ظل الحضارات؟
تخبرنا كل المؤشرات: الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، الثقافية والدينية، أننا أخطأنا الطريق، وتشير إلى أننا ماضون في اتجاه الحضيض، وكل أشكال المستنقعات. كل الإحصائيات، كل الأرقام، كل الاستمارات، كل التوقعات وكل النتائج، تفصح وتكشف أننا نتموقع على هوامش العصر: إقصاء وتهميش، هجرة وتهجير، حروب أهلية وطائفية، جهل، أمية، سوء تغدية، أمراض بكل أطيافها، من الاجتماعية إلى الجسدية والنفسية، فساد أهلك الضرع والزرع وعمّ كل المجالات من التجارة إلى السياسة حتى الأخلاق والدين، فقر متعدّد اخترق المادة والفكر إلى أن اجتاح حتى الدم، بطالة وعطالة عمّت كل شيء من اليد العاملة إلى العقول النيرة، تعليم منهار ونتائج غير مشرفة، تنمية تراوح مكانها ولا تنّمي إلا التفاهة والسفاهة والضحالة...
هل هناك من يدفع في اتجاه تحويلنا إلى مجرّد قطع أثرية لتأثيث متاحف الأمم والتاريخ؟ علينا أن نسأل عن ما هو شكل الحياة المناسب لنا؟ ولماذا فشلت كل المشاريع في مرافقتنا للذهاب إلى التنمية المستدامة والعيش الكريم وأفق الإنسان الحديث؟
إن العقل الكسول المحدود يبحث على كل ما هو مريح وغير مكلف له، لذلك تراه يلجأ إلى جميع أشكال الاختزالات والاختصارات، وإن اقتضى الأمر بالتهميش والإلغاء، فماذا يعني سحب كل أفق من هذه الشعوب؟
ولا أدري على أيّة معطيات حضارية، تاريخية، اجتماعية، اقتصادية، دينية، عرقية، استند واشتغل؟ ولماذا؟ وإلى متى نستمر في هذا، على الرغم من أنّه لم تصبنا أي تخمة عقلية في تاريخنا إلا في لحظات قليلة ومتأخرة، وذلك مع كوكبة محدودة: المعتزلة، الجاحظ، بن الرواندي، البيروني، الخوارزمي، الرازي، ابن سينا، ابن رشد، ابن خلدون...
من هو هذا الذي يصر على أن يحشرنا دائما وأبدا مع فصيلة العقول المنتهية الصلاحيات والمتعوّدة على الأوهام والمعجزات والخرافات؟ حدود من كل الجهات ودوائر مغلقة أينما وليت وجهك، ما هذا الفائض من الجهل والمنع الذي نسبح فيه؟
عقول عجاف، والمشاعر تصحرت ولم تعد تجود، إنّه القحط الذي استوعب كل شيء، مع انسداد في الآفاق. لماذا نحن على هذا القدر الكبير من الفشل والابتذال؟ هل أتينا صفر اليدين إلى هذا العالم؟ أو حتى بدون أي مهمة؟ أنقذونا من هذا التملق المفرط للذات المترهلة.
لماذا ليس لدينا إلا النماذج الفاشلة؟ لماذا في كل مرة نصر على الإعلان بصريح العبارات، وبكل وقاحةٍ، عن كرهنا كل ما هو عقل وعقلانية؟ لماذا كلما فشلنا في خطوة ما، نحوّل الآخر إلى مشجبٍ نعلّق عليه كل أخطائنا وهفواتنا؟ لماذا لا يعرف النقد الذاتي طريقه إلينا ولو بنسب قليلة؟ لماذا في كل أعمالنا نشتغل مع الإصرار على استحضار الثلاثي القاتل (الجن، الآخر، الحسد والعين)، ونغيّب المرأة والطفل والشباب في كل مشاريعنا، ونفتح أبواب موائدنا الفكرية لكل رهط ينتمي إلى عالم السحر والشعوذة ونستدعيهم، تارة باسم الطب النبوي والحجامة، وأخرى باسم الرقية الشرعية أو بدعوى طرد العكس والنحس والأرواح الشريرة؟ أي من الشرور سوف لن تعرف طريقها إلينا بعد أن فرطنا في عقولنا وامتطينا كل الأوهام والأساطير؟
كل الأوثان التي حاربناها ما زالت حاضرة، وبقوة، ولم تأفل بعد، فلماذا أصبح كل شيء أكثر قبحا ومسخا مما كان؟ ما الذي جعلنا نكن كل هذه العداوات لكل ما هو عقل وعلم وفكر وفلسفة وعمل جاد؟ لماذا هجرنا كل ماله علاقة بالمنطق؟ فحتى الهدم لم يعد ينجز بدون منطق ولا خطط، فلماذا لا نجاور النمور والنسور واكتفينا بمجاراة الغربان والخفافيش؟
كل فرد منا بداخله أجراس عديدة، فلماذا نصر دائما ونلح على استعمال الجرس الذي يدعونا إلى المزيد من الكسل والاتكال والانتظار بدلا من أجراس اليقظة والاتجاه نحو المستقبل؟ لماذا نحسن الإنصات إلى الصوت الشيطاني في أنفسنا ولا نصغي إلى الصوت الملائكي فينا؟ لماذا غيّبنا صوت الله في كل أعمالنا؟ لماذا لا نتذكر ونستحضر المسافات الشاسعة التي تفصلنا عن غيرنا؟
لا نستطيع أن نكون شيئا آخر غير أنفسنا، ولا أن ننتمي إلى أي شكل للحياة من دون حضورنا الكامل. ما هذا الوضع الذي نحن عليه الآن؟ وكيف أصبحنا على ما نحن عليه ولماذا؟ شظايا التخلف فينا أصابت جميع الميادين والمجالات، فهل نحن شعوب قاصرة ولا نشتغل إلا تحت الفضاءات ذات السقوف المنخفضة؟ أي وعد قطعناه على أنفسنا كي نظل على حواشي التاريخ، وأن لا نسكن إلا ظل الحضارات؟
تخبرنا كل المؤشرات: الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، الثقافية والدينية، أننا أخطأنا الطريق، وتشير إلى أننا ماضون في اتجاه الحضيض، وكل أشكال المستنقعات. كل الإحصائيات، كل الأرقام، كل الاستمارات، كل التوقعات وكل النتائج، تفصح وتكشف أننا نتموقع على هوامش العصر: إقصاء وتهميش، هجرة وتهجير، حروب أهلية وطائفية، جهل، أمية، سوء تغدية، أمراض بكل أطيافها، من الاجتماعية إلى الجسدية والنفسية، فساد أهلك الضرع والزرع وعمّ كل المجالات من التجارة إلى السياسة حتى الأخلاق والدين، فقر متعدّد اخترق المادة والفكر إلى أن اجتاح حتى الدم، بطالة وعطالة عمّت كل شيء من اليد العاملة إلى العقول النيرة، تعليم منهار ونتائج غير مشرفة، تنمية تراوح مكانها ولا تنّمي إلا التفاهة والسفاهة والضحالة...
هل هناك من يدفع في اتجاه تحويلنا إلى مجرّد قطع أثرية لتأثيث متاحف الأمم والتاريخ؟ علينا أن نسأل عن ما هو شكل الحياة المناسب لنا؟ ولماذا فشلت كل المشاريع في مرافقتنا للذهاب إلى التنمية المستدامة والعيش الكريم وأفق الإنسان الحديث؟
إن العقل الكسول المحدود يبحث على كل ما هو مريح وغير مكلف له، لذلك تراه يلجأ إلى جميع أشكال الاختزالات والاختصارات، وإن اقتضى الأمر بالتهميش والإلغاء، فماذا يعني سحب كل أفق من هذه الشعوب؟
مقالات أخرى
11 أكتوبر 2018
10 سبتمبر 2018
02 اغسطس 2018