هل نحن مهزومون حقاً؟

15 يناير 2019
+ الخط -
الاعتراف بالواقع نصف تغييره.. نعم، واجهنا هزيمة في مصر، وفي بقية بلدان الربيع العربي. انتصرت الدولة، وعادت بطرق مختلفة، وبخسائر متفاوتة، إلا أن السؤال عن السبب الذي يجعل الدولة تمارس كل هذا العنف والتنكيل، على الرغم من هزيمتنا الواضحة، يضعنا أمام حقيقةٍ أدركتها الأنظمة، ولم يدركها من يتصوّرون أن الهزيمة هي نهاية التاريخ، وهي أن "الحالة" التي أنتجت الحراك لم تزل قائمة، وأن الدولة لم تزل هشّة، مهترئة، خارج الزمن، ولولا أسلحتها، وتحالفاتها، واستثمار خصومها فيها، لما بقيت.
يتعامل عبد الفتاح السيسي في مصر بأقصى درجات العنف والتوتر مع كل "شهيق" يمتلئ به صدر مواطن، خوفاً من "زفير" يطيحه ودولته "التعبانة"، أي كتاب يصدر، أي مقال يشير، ولو من بعيد، حتى الكوميكس، والسخرية "على خفيف"، كلها تلقى قمعاً وتنكيلاً مفزعاً، يراه بعضهم غير مبرّر، على غير الحقيقة، وأن ما يفعله السيسي مبرّر تماما، وهو أوعى بما يهدّده منا، وأوعى بقيمتنا، وقيمة ما نمثله.
الثورة فعل تراكمي، لا يمثله التظاهر وحده، إنما الوعي، وعي المواطن بحاجته إلى التغيير، وعيه بكذب من يحكمونه، بوعودهم الزائفة حول ما يسمّونه "الإصلاح" الاقتصادي غير الشعبوي، فيما هو التخريب الممنهج، وعيه بالفارق بينه وبين مواطن آخر في بلد آخر، أقل أهميةً من بلده، لكنه أكثر رفاهيةً. هذا هو ما يخشاه النظام حقا من كل فعلٍ يحاول أن يراكم باتجاه هذا الوعي، لا ينتظر السيسي الهجمة ليردّها، بل يعمد إلى إجهاضها قبل أن تبدأ.
يعتمد بناء الهجمة، في كرة القدم، بشكل أساسي، على فهم المدرب إمكانات لاعبيه. ووفقا لهذه الإمكانات، يختار الطريقة التي يهاجم بها خصومه. ونظرا إلى تفاوت القدرات، تختلف طرق الهجوم من فريق إلى آخر. ولكن لا يوجد أحدٌ لا يستطيع الهجوم، خصوصا إذا كان خصمك ضعيفا، وكل ما يميزه عنك أنه أكثر تنظيماً.
"الريمونتادا"، أو العودة من الهزيمة إلى النصر، هي كل ما استهدفته الدولة، حين امتلأت الميادين بملايين الرافضين. في مصر تحديدا، كانوا أكثر صبرا، وفهما لإمكاناتهم، ولإمكانات خصومهم. انشغلوا بالبحث عن طريقةٍ جديدةٍ، فيما انشغلنا بخيالات رفع كأس البطولة بعد تسجيل أول هدف، وقبل أن ينتهي الشوط الأول. عادوا، وسجلوا، وتقدّموا، لكننا ما زلنا في المباراة، وخصمنا يدافع، بكل ما أوتي من قوةٍ، لأنه، وحده، يعرف أن لياقتنا تسمح بالاستمرار... ثمّة أجيال تتخلق من وعي ثورات الربيع، هؤلاء الذين كانوا في المرحلة الإعدادية، حين اشتعلت الميادين، منهم من نزل مع أهله ليشاهد، ومنهم من تابع على الشاشات، كانت مراهقتهم ثورة، ومرحلتهم الثانوية ثورة مضادّة، وحياتهم الجامعية قمعا وتنكيلا واعتقالاتٍ وإخفاءاتٍ قسرية. هكذا تربّوا في محاضن الغضب، هؤلاء هم "دكّة البدلاء" التي يخشاها النظام، وكل ما علينا هو أن نمنحهم فرصة الانضمام، وأن نغير، معهم، من طرق بناء الهجمة، وسنصل ونسجل.
ثورات بلا قائد، وبلا رافعة فكرية، وبلا "اتفاق" حقيقي على "شكل" الدولة، اصطفافات الفوتوغرافيا، وما في القلب في القلب، ومزايدات كل طرفٍ على الآخر، بشأن الأخطاء التي أدت بنا إلى ما نحن فيه. وكل هذا لا يعني، بمنطق المباراة، سوى فشل الخطط الذريع، طرق بناء الهجمة المعتمدة منذ 2013 أثبتت فشلها، بنتائج واضحة، ومباشرة، وقاطعة، تسجلها شاشة الملعب، ولا تقبل الجدل العقيم، حول الانتصارات التي لا يراها سوى أصحابها، تماما كإنجازات السيسي "الخفية". كل من اعتقدنا فيهم قدراتٍ فنيةً لإدارة الفريق أثبتوا أنهم ليسوا أكثر من أخصائيي "تدليك". الآن أمامنا تحدّي "تغيير" هذه المعادلة، والتفكير خارج "صندوق" الموتى، و"زنازين" المعتقلين، إذا أردنا حقاً أن ننقذهم وننقذ أنفسنا، الأحزاب والجماعات والحركات السياسية، وحتى حسابات "فيسبوك" و"تويتر"، يمكنها أن تفعل شيئا آخر غير البكاء على صور القمع والتنكيل واستجداء النظام أن يتركنا وشأننا.
لا تمثل هذه السطور الإجابة، إنما تحرّض، مثل الجماهير الممنوعة من حضور المباريات، على البحث عن "سؤال" حقيقي.