05 نوفمبر 2024
هل يطيح كورونا النظام الدولي؟
يُنذر الشلل الذي أصاب المؤسسات الدولية التي نشأت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بانهيارها، بسبب الإرباك والفشل اللذين اعتريا تعاملها مع تفشي فيروس كوفيد - 19 في معظم الدول، وحصده أرواح عشرات الآلاف من البشر، حيث لم يجد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، سوى القول إن العالم يواجه أصعب أزمة منذ الحرب العالمية الثانية بسبب هذا الوباء، ولم يفعل شيئاً في إدارة الأزمة سوى إطلاق دعوات إلى جمع الأموال من الدول الغنية، وتوصيات طالبت فيها دول مجموعة العشرين بمساعدة الدول الأفريقية، إضافة إلى إطلاق بعض مسؤوليها نداءاتٍ تُطالب بوقف النزاعات والحروب.
ولم تقم منظمة الصحة العالمية، بوصفها أكثر المؤسسات المعنية بالأزمة، سوى بإطلاق تحذيرات من تفشي الفيروس، فيما تردّدت حيال سبل وقف انتشاره السريع، وعبّرت عن عجزها من خلال ترك كل دولة أن تقرّر ما عليها فعله "وفقاً لظروفها الخاصة" و"تطور انتشار الوباء"، حسبما أعلن الناطق باسمها. كما لم تكن واضحةً بشأن طرق الوقاية منه، وخصوصاً عن ارتداء الكمّامات، الأمر الذي لم يهدئ من الهلع الشديد في أغلب الدول، حيث راحت كل دولة تتعامل بطريقتها الخاصة، بغية الحدّ من انتشاره، وإيجاد علاج لمرضاه ولقاح مضاد له، بعد أن لجأت أغلب الدول إلى تطبيق حالات حظر وحجر وإغلاق لم يسبق لها مثيل، فأضحت الساحات والأماكن العامة التي كانت تعجّ بصخب الحياة اليومية وضجيجها خالية من الناس، وتحولت مدن مليوينة إلى مدن أشباح بعد فرض قيود هائلة على حركة ساكنيها وتجولهم، من عمليات حظر التجول إلى الحجْر المنزلي وإغلاق المدارس والجامعات، وتشديد قيود السفر، وحظر التجمعات العامة، وسوى ذلك.
وطاول الفشل ليس منظمة الصحة العالمية فقط، بل المنظومات الصحية لدول كبرى، خصوصاً الولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وسواها، لكن اللافت أن مجلس الأمن الدولي لم يقم
بالمطلوب منه لبحث ممكنات وقف انتشار الفيروس أو الحدّ منه على الأقل، خصوصاً أنه المؤسسة التي تعنى بالأمن والسلم الدوليَين، حيث بات الفيروس يشكّل خطراً على معظم الدول، بل والبشرية أجمع، والأنكى أن قادة الدول الكبرى تعاملوا مع الأزمة وفق اعتباراتهم المحلية الضيقة، بل والحزبية أحياناً، مع أن تفشّي الفيروس لم يعترف بالحدود جميعاً.
وفي ظل التعامل المنفرد لكل دولة مع الفيروس، أطلقت إيطاليا وإسبانيا وسواهما دعوات إلى إرسال مساعدات طبية إليها من الاتحاد الأوروبي ومن حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولم يلبّ الحلف الطلب الإسباني، إذ أعلن مركز تنسيق الاستجابة للكوارث الأوروبية الأطلسية "EADRCC" التابع له أنه ليس لدى الحلف مخزون من أجهزة التنفس أو المعدّات الطبية المطلوبة، وألقى المسؤولية على عاتق حكومات دوله الوطنية، متذرّعاً بأن مهمته تقتصر على إرسال تقارير إلى تلك الدول التي قد ترسل حكوماتها مساعداتٍ وقد لا ترسل، بينما استغلت روسيا عجز الحلف وسلبيته، فأرسلت مركبات عسكرية تابعة للجيش الروسي لتقديم مساعدة إلى إيطاليا، الدولة العضو في حلف الناتو، وتُركت إسبانيا وحيدة كما تركت إيطاليا وسواها في مواجهة الوباء، الأمر الذي يشي بأن الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أنه إحدى المؤسسات الرئيسية التي نشأت في النظام العالمي، فشل تماماً في مساعدة دول من أعضائه، وتركها وحدها تواجه تداعيات تفشي الوباء. لذلك من الطبيعي أن يكون رد فعل الإسبان والطليان غاضباً حياله، ووصل إلى درجة أن بعضهم أزال أعلامه من لوحات السيارات وسواها.
وإزاء فشل منظومات النظام الدولي، مال ساسة الدول وقادتها إلى نهج الإنكار الذي غرقوا به مع تفشي الفيروس، وتجاهلوا تجارب الدول الأخرى التي ضربها، وراحوا يتعاملون معه بوصفه تهديداً خارجياً، ولم ينظروا إلى بلدانهم بوصفها جزءاً من أحجار الدمينو التي ستسقط بدورها، ثم لجأوا بعد انتشار الفيروس في دولهم إلى استراتيجيات العزل والحجْر والمراقبة، والتي لا يمكن أن تدوم طويلاً، ولن تصمد على المدى البعيد، ليس فقط لأن الضرر الاجتماعي والاقتصادي سيكون كارثياً، بل لأن العالم بحاجةٍ ماسّةٍ إلى استراتيجية تعاون للخروج من هذه الأزمة الكبرى، عبر التكاتف لمحاصرة الأضرار، وإيجاد طريقٍ لرفع القيود وعودة الحياة إلى وضعها الطبيعي، على الرغم من أن علماء ومختصين عديدين يرجّحون أن فيروس كورونا لن يختفي قريباً، وأنه في حال رفع القيود التي تعوّق انتشاره، سترتفع عدد حالات الإصابة به حتماً.
لقد بلغ الإحباط من النظام الدولي درجة كبيرة، جعلت حكومات الدول تطلب المساعدات من
النظام الصيني، على الرغم من كل التقارير والأقاويل التي تحمّله مسؤولية تفشّي الوباء، والتكتم على بدايات انتشاره، حتى الولايات المتحدة التي وقفت إداراتها في حيرة من أمرها، ما بين طلب المساعدة من الصين وحرصها على ألّا تبدو في موقف العاجز في مواجهة الوباء، لكنها، على الرغم من كل الاعتبارات، لم تكن مستعدّةً لمواجهة أزمة تفشّي الوباء بين مواطنيها، وباتت من أكبر الدول التي تفشّى فيها، الأمر الذي يطرح أسئلةً بشأن السياسات التي اتبعتها خلال سنوات عديدة، والتي خفضت بشكل كبير ميزانيات الصحة وبرامج الرعاية الصحية، وصرفت مليارات المليارات من الدولارات على الإنفاق العسكري، حتى باتت تملك أسلحة قادرة على إفناء البشر وتدمير الأرض مرات عدة بصواريخها العابرة للقارّات وقنابلها الذرية والنووية والهيدروجينية، وراحت تغزو الفضاء، وتنتهك البيئة وتلوثها، ولم تعر أي انتباه لآثار ما تفعله شركاتها الكبرى التي لا يهممها سوى الربح والاستغلال، وتحويل البشر إلى مجرّد أدوات تستهلك ما تنتجه.
عرّت أزمة كورونا النظام الدولي، وباتت تهدّد مختلف مؤسساته التي تعاملت بخفّة وعدم جدية معها، في بداية ظهورها. ولذلك قد تطيح الأزمة غير المسبوقة مؤسسات هذا النظام الذي ساهم في استفحال الأزمة، والمرجّح أن ذلك كله سيُفضي إلى إرهاصات وتداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية ستطاول الجميع، وربما سيتمخض عنها عالم مختلف تماما.
وطاول الفشل ليس منظمة الصحة العالمية فقط، بل المنظومات الصحية لدول كبرى، خصوصاً الولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وسواها، لكن اللافت أن مجلس الأمن الدولي لم يقم
وفي ظل التعامل المنفرد لكل دولة مع الفيروس، أطلقت إيطاليا وإسبانيا وسواهما دعوات إلى إرسال مساعدات طبية إليها من الاتحاد الأوروبي ومن حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولم يلبّ الحلف الطلب الإسباني، إذ أعلن مركز تنسيق الاستجابة للكوارث الأوروبية الأطلسية "EADRCC" التابع له أنه ليس لدى الحلف مخزون من أجهزة التنفس أو المعدّات الطبية المطلوبة، وألقى المسؤولية على عاتق حكومات دوله الوطنية، متذرّعاً بأن مهمته تقتصر على إرسال تقارير إلى تلك الدول التي قد ترسل حكوماتها مساعداتٍ وقد لا ترسل، بينما استغلت روسيا عجز الحلف وسلبيته، فأرسلت مركبات عسكرية تابعة للجيش الروسي لتقديم مساعدة إلى إيطاليا، الدولة العضو في حلف الناتو، وتُركت إسبانيا وحيدة كما تركت إيطاليا وسواها في مواجهة الوباء، الأمر الذي يشي بأن الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أنه إحدى المؤسسات الرئيسية التي نشأت في النظام العالمي، فشل تماماً في مساعدة دول من أعضائه، وتركها وحدها تواجه تداعيات تفشي الوباء. لذلك من الطبيعي أن يكون رد فعل الإسبان والطليان غاضباً حياله، ووصل إلى درجة أن بعضهم أزال أعلامه من لوحات السيارات وسواها.
وإزاء فشل منظومات النظام الدولي، مال ساسة الدول وقادتها إلى نهج الإنكار الذي غرقوا به مع تفشي الفيروس، وتجاهلوا تجارب الدول الأخرى التي ضربها، وراحوا يتعاملون معه بوصفه تهديداً خارجياً، ولم ينظروا إلى بلدانهم بوصفها جزءاً من أحجار الدمينو التي ستسقط بدورها، ثم لجأوا بعد انتشار الفيروس في دولهم إلى استراتيجيات العزل والحجْر والمراقبة، والتي لا يمكن أن تدوم طويلاً، ولن تصمد على المدى البعيد، ليس فقط لأن الضرر الاجتماعي والاقتصادي سيكون كارثياً، بل لأن العالم بحاجةٍ ماسّةٍ إلى استراتيجية تعاون للخروج من هذه الأزمة الكبرى، عبر التكاتف لمحاصرة الأضرار، وإيجاد طريقٍ لرفع القيود وعودة الحياة إلى وضعها الطبيعي، على الرغم من أن علماء ومختصين عديدين يرجّحون أن فيروس كورونا لن يختفي قريباً، وأنه في حال رفع القيود التي تعوّق انتشاره، سترتفع عدد حالات الإصابة به حتماً.
لقد بلغ الإحباط من النظام الدولي درجة كبيرة، جعلت حكومات الدول تطلب المساعدات من
عرّت أزمة كورونا النظام الدولي، وباتت تهدّد مختلف مؤسساته التي تعاملت بخفّة وعدم جدية معها، في بداية ظهورها. ولذلك قد تطيح الأزمة غير المسبوقة مؤسسات هذا النظام الذي ساهم في استفحال الأزمة، والمرجّح أن ذلك كله سيُفضي إلى إرهاصات وتداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية ستطاول الجميع، وربما سيتمخض عنها عالم مختلف تماما.