يتحدث عنه البرجوازي الهادئ بشغف. لديه صناديق خشبية خاصة لاحتوائه، بمختلف أحجامه. يُحفظ داخلها بدرجة حرارة معينة (21 درجة مئوية)، ونسبة رطوبة محدّدة (70 في المائة)، كي لا تُفسد نكهته. هو كالنبيذ، كلما عُتّق، كلما استُطعم بلذة أكبر. هناك نوعان منه: يدويّ وصناعي. الأوّل يتم لفّه يدوياً، وهو الأفضل. يُلفّ من عدّة أوراق، يُزرع كلّ منها في مكان مختلف في كوبا. أما الثاني، فيُترك لفّه للآلات. أوراق السيجار الكوبي ثلاث. الورقة التي تُغلّفه هي الأشدّ رقة، يجري التعامل معها بعناية وحذر، والثانية والثالثة هي الحشوة.
بعد لفّ السيجار، يوضع في صندوق القوالب الخاص، لمدة تراوح ما بين 15 إلى عشرين دقيقة، كي يُحصر حجمه بطول ومحيط دائرة محدّدين، طبقاً لنوعه. يُنقل بعدها إلى صندوق الضغط، حيث يوضع لأكثر من ساعة، تتآلف معها النكهات المختلفة للأوراق الكوبية. يُقفل الطرف السفلي بصمغ خاص يأتون به من شجرة تنبت في كندا.
تُجهّز أوراق السيجار الكوبي على مرحلتين؛ في الأولى تُعلّق بعد قطفها (تكون عادة خضراء وسميكة) داخل كوخ (shed) خشبي خاص، يحفظ درجة حرارة ونسبة رطوبة محدّدين. هذه المرحلة تسمى التجفيف. تدوم ما بين شهر واحد و45 يوماً. تعتمد المدّة على نوعية الورق وشدّة اخضراره. في هذه المرحلة تخسر أوراق السيجار 80 في المائة من ترطيبها.
المرحلة الثانية، تسمى التخمير، بحيث تُنقل الأوراق خلالها بعناية شديدة، إلى جهة مقابلة، لكن معتمة، من الكوخ نفسه. تُنقل ورقة تلو الورقة لتعلّق بشكل متواز، بدءاً من سقف الكوخ نزولاً. تُخمّر أوراق السيجار لنحو خمسة أعوام.
هناك عدّة أنواع منه: كوهيبا، روميو أند جولييت، مونتيكريستو، بارتاغاس، وكوهيبا هو الأفخر. أحجامه متنوعة أيضاً. أكثر من عشرين. تحدّد حسب محيط دائرة وطول السيجار. تبدأ من السيجاريلو (السيجار النسائي) مروراً بروبولو، وأحجام مختلفة من كورونا، شيرشيلي وتورو غوردو، وهو الأكبر حجماً (يصل طوله إلى 17 سنتيمتراً).
يحمل عاشق السيجار البرجوازي كتاباً، يقلّب صفحاته ويتحدث بشغف عن كل نوع. يتناول أحدهم من صندوقه الخشبي ويقيسه بحسب الصورة الموجودة في الكتاب، ويقول هذا النوع هو "غراند غورونا"، طوله 16 سنتيمتراً وعرض دائرته 17 ميليمتراً.
لتدخين السيجار أيضاً فنّ خاص. يُنزع طرفه بآلة القطع الخاصة به. يولّع طرفه الثاني، ثم يُمتص بطرف اللسان بخفة، يُحبس الدخان ويُلاعب ما أمكن داخل الفم للاستمتاع بنكهته، بدون ابتلاعه، ثم يُرفَس خارجاً.
أليخاندرو، الكوبي الفقير، لا ينفك يردّد، في أثناء شرحه لزوار الكوخ الخشبي، حيث يجفف السيجار، أنّ "كوهيبا كورونا إسباسياليس" هو سيجار فيديل، والمفضّل لديه أيضاً. "كوهيبا" الفاخر يعدّ كنزاً وطنياً للجزيرة، ويرتبط بذاكرتها الثورية. كان السيجار الذي صُنع خصيصاً لفيديل. كان يتم إعداده في معامل سرّية، خوفاً من تسميمه من قبل الاستخبارات الأميركية بهدف اغتيال الزعيم، الذي تخلى أخيراً عن السيجار بسبب اعتلال صحته، بعدما كان رفيقه الدائم لعمر مضى. أليخاندرو، بالكاد يحصّل قوته من العمل كمرشد سياحي. يقول: في كوكب كوبا، لا نملك المال، كلّ ما لدينا السيجار والرام والقهوة، هكذا نحن. فقراء ونحيا أغنياء".
يمتلك الكوبي رفاهية تدخين السيجار الذي يعدّه بنفسه من أرضه، لكنه حصراً للبرجوازيين في الخارج. سعره يبدأ من 10 دولارات أميركية، أي ما يقارب راتب شهر بأكمله للكوبي الذي أعدّه في المعمل، ويصل إلى خمسين دولاراً. وهذا السعر المحلي بكوبا. الأميركي الذي حُرم من الاستمتاع به لـ54 عاماً، يستعدّ لتدخينه بشراهة، بعد رفع إدارته الحظر والسماح باستيراده الشهر الماضي. السوق الأميركية تتحضّر اليوم للغرق بسيجار "فيديل"، وسط توقعات أن يبتلع 70 في المائة منها.