ثمّة حالات ودرجات متفاوتة يتعرّض لها المعتقلون السياسيون، في السجون المصرية، للتعذيب والتنكيل وممارسة صنوف القهر والإيلام البدني والنفسي، الذي يتقنه الجلادون في أقبية الموت. فمنذ تولي عبد الفتاح السيسي الحكم عام 2013، اعتقلت السلطات المصرية 60 ألف شخص على الأقل بحسب "هيومان رايتس"، في تقريرها الصادر الأربعاء الماضي، وأخفت قسرًا المئات لعدّة أشهر في وقت واحد، وأصدرت أحكامًا أولية بالإعدام في حقّ مئات آخرين، وحاكمت آلاف المدنيين في محاكم عسكرية، كما أنشأت ما لا يقل عن 19 سجنًا جديدًا لاحتواء هذا التدفق. فيما كان الهدف الرئيسي لهذا القمع جماعة "الإخوان المسلمون".
وفي خطوة غير منطقية تسفر عن "فاشية" النظام و"بلادته" الشديدة في معالجة الأحداث، امتدت آلة الحجب الجهنمية، إلى موقع المنظمة الدولية، المعنية بحقوق الإنسان، ليصل عدد المواقع المحجوبة في مصر إلى 424 موقعًا بدأت بحظر مجموعة من المواقع الإلكترونية في مايو/ أيار الماضي.
وجدت المنظمة أن وزارة الداخلية قد طوّرت سلسلة متكاملة لارتكاب الانتهاكات الخطيرة، من أجل جمع المعلومات عن المشتبه في كونهم معارضين، وإعداد قضايا ضدّهم غالبًا ما تكون ملفقة. ويبدأ ذلك بالاعتقال التعسّفي، ويتطوّر إلى التعذيب، والاستجواب خلال فترات الاختفاء القسري، وينتهي بالتقديم أمام أعضاء النيابة العامة الذين كثيرًا ما يضغطون على المشتبه بهم لتأكيد اعترافاتهم، ويمتنعون عن التحقيق في الانتهاكات.
ومن بين هذه التقنيات التي ذكرتها المنظمة في تقريرها ووثقتها من شهادات معتقلين تعرّضوا لشتى صنوف التعذيب، حيث يستخدمون نوعين من وضعيات الإجهاد لإخضاع المشتبه بهم لألم شديد؛ ففي واحدة منها، يعلقون المشتبه بهم وأيديهم مرفوعة إلى الوراء، وهو ما يسبّب ألمًا شديدًا في الظهر والكتفين، وتخلع أحيانًا أكتافهم.
وفي الثانية، وتسمّى "الفرخة" أو "الشواية"، يضع العناصر ركبتي المشتبه فيهم وذراعيهم على الطرفين المتقابلين للقضيب، بحيث يقع القضيب بين مفصل المرفقين والجزء الخلفي من الركبتين، ويربطون أيديهم معًا فوق مقدمة سيقانهم. وعندما يرفع الضباط القضيب ويعلقون المشتبه بهم في الهواء، مثل دجاجة على سيخ الشواء، يعاني هؤلاء من ألم شديد في الكتفين والركبتين والذراعين. كما يضع عناصر الأمن المعتقلين في وضعيات الإجهاد هذه لساعات في كل مرّة، ويستمرّون في ضربهم وصعقهم بالكهرباء، واستجوابهم.
اتهمت منظمة "هيومان رايتس ووتش" في تقريرها الصادر مؤخرًا، قوّات الأمن والشرطة في مصر، بممارسة التعذيب ضدّ المعتقلين السياسيين بشكل روتيني، باستخدام الضرب والصعق بالكهرباء وحتى الاغتصاب أحيانًا.
ووثق التقرير الذي جاء في 63 صفحة بعنوان "نحن نقوم بأشياء غير منطقية هنا: التعذيب والأمن الوطني في مصر السيسي"، حيث أكّدت فيه أن التعذيب في مصر أصبح أمرًا "شائعا"، وأن السلطات تمارسه بشكل ممنهج، مشيرةً إلى أن ضبّاط الشرطة لجأوا بانتظام إلى "التعذيب لإجبار المعتقلين على الإدلاء باعترافات وكشف معلومات"، موضّحة أن شيوع هذه الظاهرة بلغت حدّ الجرائم المحتملة ضدّ الإنسانية.
سردت المنظمة شهادات 19 معتقلًا، حصلت بواسطتهم على وقائع التعذيب وحال المعتقلين في السجون أثناء الاحتجاز والتحقيقات معهم ومساراتها بصورة دقيقة وواقعية؛ والتي جاء فيها أنهم عُذّبوا بين عامي 2014 و2016، وحسب رواياتهم، تبدأ جلسة التعذيب عادةً بالصعق الكهربائي، وسط صفع ولكم المعتقل، بينما يكون معصوب العينين، مغلول اليدين، وعاريًا.
وتزداد فترات وقوة الصعق إن لم يستجب المعتقل مع معذّبيه للاعتراف بحسب الشهادات الموثقة بالتقرير، وتصعق خصيتاه، ثم يُعلق في أوضاع مؤلمة لساعات عديدة، وتُلقى عليه المياه الساخنة حالما يفقد الوعي. وتؤكّد "هيومن رايتس ووتش" أن الشهادات تتوافق مع أخرى أقدم عن التعذيب في مصر، بعضها يعود إلى عام 1992.
وذكر جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة، في بيان أن "السيسي أعطى رجال الشرطة المدنية وجهاز الأمن الوطني الضوء الأخضر ليقوموا بتعذيب المواطنين كما يحلو لهم.. والإفلات من العقوبة للاستخدام المنهجي للتعذيب، هو ترك المواطنين بلا أمل في العدالة".
بينما كشف التقرير عن تواطؤ جهات التحقيق والنيابة في مصر، التي تتجاهل شكاوى المواطنين وتصمت عنها، في أفضل الأحوال، أو تعمد إلى تهديده بالتعذيب مرّة أخرى إذا لم يروِ الاعتراف نفسه المتهم به. حيث يروي خالد، 29 سنة، أحد ضحايا التعذيب الذي سجّلت المنظمة شهادته في تقريرها، أنه حين حكى لوكيل النيابة عن التعذيب المستمرّ لمدّة ستة أيام في حقه، والذي سجل تحت طائلته اعترافًا مرئيًا عن هجوم على سيارات شرطة، قال بعدها إنه لم يرتكبه، فوجئ بوكيل النيابة يأمره بإعادة الاعتراف أمامه وإلا أعاده للتعذيب.
ويقدر التقرير أن النيابة العامة حققت في 40 بلاغًا فقط عن التعذيب، ضمن مئات الحالات الأخرى التي قدّمها محتجزون، وأوضح أن سبعة منها فقط أدت لإدانات، كلّها تم الطعن فيها، ولم يكن ضمنها أي إدانة لجهاز الأمن الوطني، بينما كشفت أن حالات التعذيب كثيرًا ما تحدث خلال فترات الاختفاء القسري للمعتقلين، وقد سبق ووثقت المنظمة في تقريرها عام 2015 ضلوع قوّات الأمن في اختفاء عشرات الحالات.