وجّه ابن تيمية (1263 - 1428) انتقادات عديدة للفلسفة اليونانية، والمنطق الأرسطي خاصة، والتي تأثر بها العديد من الفلاسفة والمتصوفة المسلمين، وخصّص لها مؤلّفاً بعنوان "نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان"، والذي وضع له السيوطي مختصراً بعنوان "جهد القريحة في تجريد النصيحة".
عارض ابن تيمية في ردّه التفسيرات الفلسفية حول الوجود والماهية في سجالات دارت في التاريخ الإسلامي، وتركت أثرها حتى اليوم، حيث لا يزال تبنّي أفكاره أو معارضتها يشير إلى موقف له انعكاساته في ميادين فكرية متعدّدة، وفي النظرة إلى المجتمع والحياة.
في عام 1993، نشر الباحث الفلسطيني الأميركي وائل حلّاق ترجم كتاب ابن تيمية إلى الإنكليزية ووضع له تقديماً وهوامش، واليوم تصدر نسخته العربية عن "دار الرافدين" بترجمة عمرو بسيوني، والذي يتتبع أهمية أفكاره بالنسبة للمتخصصين في الفلسفة القديمة والعصور الوسطى ومؤرخي المنطق والفلسفة التجريبية.
يعود الكتاب إلى القرن الرابع عشر الميلادي، حين رفض الغزالي الميتافيزيقيا لكنه اعتنق المنطق، بينما اعتبر ابن تيمية أن الاثنين مترابطين، وحمّل المنطق اليوناني مسؤولية الاستنتاجات الميتافيزيقية "الهرطقية" التي توصل إليها الفلاسفة والمتصوفون، وشرع في دحض المنطق الفلسفي مستنداً في حجته إلى نهج تجريبي مهّد لتنظير العديد من الفلاسفة التجريبيين البريطانيين.
يقول حلّاق في تقديمه "مما لا شك فيه أن ابن تيمية قد قارب المشكلة بإطار فكري خاص به مستمد من ومستند على مفاهيمه الخاصة بشكل مباشر. إن هذا النقد مصطبغ تمامًا بمنهجية وابستمولوجية تيميّة خاصة".
ويوضح صاحب كتاب "الشريعة: النظرية والممارسة والتحولات" أن "ما فعله ابن تيمية هو تقديم مجموعة متنوعة من الحجج المقتطفة من مجموعة واسعة من المصادر، والتوفيق بينها في إطاره الخاص بعد أن شذّبها، أو غيّرها، أو حوّلها وفقاً للقالب الذي يلبي احتياجاته الخاصة"، مشيراً إلى أنه "من المؤكد أن مجرد تجميع هذه الحجج، وبدون إطار نظري قادر على تجميع هذه الحجج معاً في إجمالٍ ذي مغزى ومتسق؛ لا يرقى لمستوى النقد المتماسك الفعال الذي قدّمه ابن تيمية".
ويخلص حلّاق إلى أن "عبقرية ابن تيمية لا تكمن في الحجج الخاصة التي أوردها، رغم أنه حتى في ذلك كان مثيراً للإعجاب، ولكن عبقريته تكشف عن نفسها في نشر المادة التي تألّفت من هذه الحجج الخاصة، نقداً كاملاً ومنهجياً متماسكاً".