بعد مرور عام على حصار قطر، ما زالت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تتعامل مع الموضوع باللغة المتلوّنة ذاتها التي تخفي معها امتناعها عن ممارسة الضغط اللازم والقادر على طيّ صفحة هذه "المغامرة المتهورة"، أو بالأحرى هذه "الغلطة التي ارتكبها المبتدئ في الكار"، أي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، كما قال السناتور الجمهوري ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، بوب كوركر.
في المقابل، تتوالى بدرجة أو بأخرى تعبيرات الاستياء من استمرار تعنّت رباعي الحصار، سواء في الكونغرس أو حتى داخل الإدارة، مثل وزير الدفاع جيمس ماتيس، فضلاً عن الإعلام الذي أفردت، أمس الثلاثاء، بعض وسائله مساحة للحديث عن فشل هذا التدبير الانتقامي وضرورة التراجع عنه؛ كان من بينها مقالة لوزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز".
ولم تغادر الإدارة الأميركية بعدُ خطاب المناشدة والتمنّي بشأن الحصار، الذي لم يكن وليس حتى الآن من بين أولوياتها الراهنة. الرئيس دونالد ترامب سبق وعرض التوسط، لكن من طرف اللسان. تحدّث عن استضافة قمة خليجية في كامب ديفيد لحل المشكلة. لكنه استجاب لطلب الرباعي بتأجيلها إلى الخريف، وبالتالي التغاضي عن الأزمة وإلى حين.
المتحدثة الرسمية في الخارجية الأميركية، هيذر نويرت، أشارت، أمس، على هامش اللقاء الصحافي، إلى "هذا الاجتماع المحتمل"، في معرض ردها على سؤال "العربي الجديد" حول ما إذا كان لدى الإدارة أية مبادرة بخصوص الحصار. لكنها قالت إنها لا تملك معلومات حول هذا الموضوع.
بدوره، لم يذهب وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، خلال زيارته إلى رياض، إلى أبعد من مخاطبة نظيره السعودي بلغة "كفى"، ومناشدته "وضع حد لهذا النزاع". وهو يعرف أن "كفى" لا تكفي. تجربة سلفه ريكس تيلرسون تؤكد ذلك. منذ البداية، طالب هذا الأخير "بالحوار"، بعد طرح الرباعي (السعودي الإماراتي المصري البحريني)، قائمة شروطه، تساءلت الخارجية الأميركية آنذاك عمّا إذا كانت المطالب مجرد غلاف لعملية "تصفية حساب" مع قطر؟ والمعروف أن تيلرسون قام باتصالات مكثفة للخروج من الأزمة. لكن تكرار احتضان ترامب لشروط الرباعي أدى إلى تقويض جهوده، كما إلى فشل جولة الوزير المكوكية في المنطقة، والتي كان من المتعذر نجاحها في غياب الدعم الصريح والحقيقي لها من جانب الرئيس الأميركي.
ليس من بين المعنيين والمتابعين في واشنطن من لا يعرف حقيقتين أساسيتين: أن حصار قطر قد تقرر أصلاً بضوء أخضر والبعض يقول "بتشجيع"، من البيت الأبيض؛ وثانياً أن رفعه يصبح بحكم تحصيل الحاصل بين ليلة وضحاها، لو عزم الرئيس الأميركي على طي صفحته.
لكن الإدارة ليست في هذا الوارد، على الرغم من الإشارات التي تصدر عنها بين الحين والآخر، والتي تدعو إلى وجوب العثور على مخرج. تردد أن استمرار المقاطعة يؤذي الجهود الأميركية لمحاربة الإرهاب، لكنها تمارس خلاف ذلك.
حاول الكونغرس الضغط عليها لحملها على التعامل بجدية مع دول الحصار. رئيس لجنة العلاقات الخارجية، السناتور كوركر، أوقف تمرير صفقات أسلحة خليجية لفترة ستة أشهر، وربط موافقته عليها بفك الحصار عن قطر، لكن بدون جدوى. في النهاية، رضخ لضغوط الإدارة وتراجع عن موقفه، من غير أن يتزحزح البيت الأبيض عن تجاهله موضوع الحصار.
الرئيس ترامب يتعامل مع ملف حصار قطر على طريقة تعامل واشنطن المعروف مع موضوع المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية: السلام مطلوب وعلى الجانبين البحث عنه والتوافق بشأنه. وفي ذلك تجهيل للاحتلال ومساواة المحتل مع ضحيته.