انشغلت إسرائيل كثيراً، بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، بفشل جهاز الاستخبارات الإسرائيلية العسكرية "أمان"، بتوقع شنّ الحرب، على الرغم من تلقيه إنذاراً مبكراً عن الحرب المقبلة، واستغلال مصادر المعلومات المتوفرة لديه.
وكشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أمس الجمعة، ما قالت إنها وثيقة سرّية تُبين أن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية إبان حرب أكتوبر، إيلي زعيرا، ضلّل وزراء الحكومة الإسرائيلية حينها أيضاً في كل ما يتعلق بـ"الوسائل الخاصة لجمع المعلومات"، وهو الجزء الذي ظلّ الحديث عنه إسرائيلياً طيّ الكتمان لخمسة عقود، فيما كان رئيس أركان جيش الاحتلال، دافيد ألعزار، هو من دفع الثمن بعد قرار لجنة التحقيق الرسمية التي عرفت بلجنة "أغرناط".
ووفقاً لتقرير "هآرتس"، فإن لجنة "أغرناط" اعتبرت في تطرقها لأداء زعيرا، أنه "أخطأ عندما لم يلجأ في الوقت المناسب للوسائل الخاصة (أي مصادر المعلومات) بما كان يمكنه أن يوفر لإسرائيل إنذاراً مبكراً، وهو خطأ أدّى إلى عدم الاستفادة من مصدر معلوماتي ضروري وقت الحاجة، الأمر الذي يمثل فشلاً مهنياً ذريعاً".
وأوضحت الصحيفة أن الوثيقة السرّية التي تمّ اكتشافها أخيراً في أرشيف جيش الاحتلال، تُبيّن أن اللجنة اقتنعت بأن زعيرا ضلّل الكابينت السياسي والأمني وقادة "الدولة"، بمن فيهم وزير الأمن خلال الحرب موشيه ديان ورئيس الأركان دافيد ألعزار ورئيسة الحكومة غولدا مئير، موهماً إياهم بأنه تمّت الاستعانة بهذه المصادر، خلافاً للحقيقة.
ومع أن الصحيفة قالت إن حقيقة وطبيعة هذه الوسائل لم تتضحا أبداً، إلا أن تقارير نشرت خارج إسرائيل تحدثت عن أجهزة تجسس واتصالاتٍ متطورة، بمقدورها اعتراض اتصالات الجيش المصري الهاتفية والاستماع إليها، وأن قادة إسرائيل كانوا على قناعة بأن استخدامها سيمنح "دولة إسرائيل" إنذاراً مبكراً لـ48 ساعة.
وبحسب البروفيسور أوري بار يوسيف، الناشط في جمعية "حرب الغفران"، فإنه لكون المصريين كانوا على علمٍ بقدرات التنصت الإسرائيلية، فقد حرصوا على عدم استخدام شبكات الاتصال العسكرية واللاسلكية العادية، واعتمدوا على الاتصالات الهاتفية، وبالتالي فقد طوّرت إسرائيل وسائل تكنولوجية، كان الهدف منها حلّ هذه المشكلة.
وقالت "هآرتس" إن بعض المؤرخين في إسرائيل على قناعة اليوم بأن استخدام الوسائل التي تمّ تطويرها، كان بمقدوره أن يوفر لإسرائيل فرصة 48 ساعة قبل اندلاع الحرب للاستعداد لها. واتضح من الوثيقة أن لجنة "أغرناط" المذكورة، أولت هذه الوسائل أهميةً كبيرة في قدرتها على توفير الإنذار المطلوب.
وجاء في الوثيقة التي تمتد على ست صفحات، لا يزال قسمٌ من المعلومات الواردة فيها سرّياً: "لقد توفر لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) مصدر معلومات ذو قدرة عالية للوصول إلى المعلومات، وذو مصداقية كبيرة ذات صبغة إنذارية، وأن الجنرال إيلي زعيرا أبلغ اللجنة أنه منذ بدئه بشغل منصبه، بذل جهداً خاصاً للاتصال بهذه المصادر، على اعتبار أن الإنذار سيصل إلى دولة إسرائيل منها، مضيفاً أن المعلومات ستكون ذات مصداقية عالية لا يمكن التشكيك فيها".
وعلى الرغم من أن الوثيقة تشير إلى الخطر الكامن في الاتصال بهذه المصادر، وأن زعيرا قال إنه كان يلجأ إليها في حالات عدم اليقين، إلا أنه، ومنذ الأول من أكتوبر 1973، أي قبل اندلاع الحرب بأيام معدودة، رفض توجهات متكررة لاستخدام هذه الوسائل الخاصة وإجراء أي اتصال مع هذه المصادر، على الرغم من أن رئيس قسم جمع المعلومات في شعبة الاستخبارات العسكرية حينها، مناحيم داغلي، ورئيس وحدة التنصت الرئيسية يوئيل بن فورات، ناشداه استخدامها وتفعيل مصادر المعلومات، وتأكيدهما له أن الحاجة للإنذارات تفوق أهمية، وحتى سلامة، هذه الوسائل.
ووفقاً لشهادة يوسي لونجتشيك، الذي قاد الوحدة المسؤولة عن تفعيل هذه الوسائل، فإن زعيرا سمح بمحاولة الاتصال بالمصادر وتفعيل الوسائل الجديدة فقط بين الرابع والخامس من أكتوبر. وبرّر الجنرال ذلك أمام اللجنة بقوله: "لم يكن وضعاً شعرت فيه بنقص بالمعلومات، بل توفرت معلومات كثيرة، وما كان ينقصني هو شرح هذه المعلومات وتحليلها".
وأكدت الوثيقة أن أصحاب القرار في حكومة إسرائيل وجيشها ضُلّلوا، بحيث اعتقدوا أن زعيرا لم يتخبّط في قراراته، على اعتبار أنه استخدم تلك الوسائل المذكورة والتي وفّرت له المعلومات اللازمة، وهو ما يتضح من شهادة غولدا مئير أمام اللجنة، إذ قالت اللجنة "إن مئير أفادت بأنه كان واضحاً كلياً، أن معلومات تصل جرّاء الاتصال مع المصادر المذكورة".
إلى ذلك، اتضح أن زعيرا ضلّل وزير الأمن موشيه ديان أيضاً، عندما قال له رداً على سؤال في الخامس من أكتوبر ما إذا كانت تصله معلومات من المصادر السرّية، إن هناك كمّاً كبيراً من المعلومات، وإنه يستغل كافة مصادر المعلومات والإنذارات المحتملة، وعمل تبعاً لها. وبحسب الوثيقة، فإن زعيرا أوحى لقادة الحكومة والجيش بأنه يعتمد على المعلومات الواردة من مصادر المعلومات، والتي لا تشير إلى احتمال نشوب حرب، في وقتٍ رفض طلبات اللجوء إلى هذه المصادر والاتصال بها.
وبحسب البروفيسور بار يوسيف، فإنه تم عملياً اللجوء إلى هذه المعلومات فقط في صباح يوم السادس من أكتوبر، بحيث لم يكن بمقدور المصادر الاستخبارية منح الإنذار الكافي، فيما قلّل زعيرا من أهمية المعلومة التي جلبها رئيس "الموساد" آنذاك تسفي زمير عشية اندلاع الحرب، بعد أن التقى في لندن المصري أشرف مروان، صهر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي تدعي إسرائيل أنه كان عميلاً لها، بينما تقول مصر إنه ضلّل الإسرائيليين، وإنه كان أصلاً مزروعاً من قبلها لإيهام "الموساد" بأن له مصدراً رفيع المستوى في مصر.