وديعة سعودية متأخرة لليمن...ووعود بـ 8 مليارات دولار لم تتحقق

17 يناير 2018
الحرب تسببت في تجويع ملايين اليمنيين(فرانس برس)
+ الخط -


يستمر الريال اليمني في التراجع، بسبب الحرب المستمرة منذ قرابة ثلاث سنوات، وانقسام مؤسسات الدولة المالية بين عدن وصنعاء، وفيما تقف الحكومة الشرعية للبلاد عاجزة عن وضع معالجات وتستنجد بوديعة سعودية، يلجأ الحوثيون إلى ملاحقة الصرافين واعتقالهم ومصادرة أموالهم.

وينعكس التهاوي المتسارع للريال في ارتفاع قياسي لأسعار السلع الغذائية، مما يثير قلق اليمنيين، وهلعهم في ظل انعدام مصادر الدخل وسبل العيش وتوقف رواتب نحو مليون موظف حكومي منذ عام.

وتسارعت وتيرة تهاوي العملة اليمنية، من 390 ريالا للدولار الواحد في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى 500 ريال للدولار خلال يناير/كانون الثاني الجاري.

ويبلغ السعر الرسمي للعملة الأميركية نحو 380 ريالا، منذ منتصف أغسطس/ آب الماضي، بعد قرار البنك المركزي تحرير سعر الصرف.

ويشهد اليمن حرباً مدمرة بدأت نهاية عام 2014 بعد سيطرة جماعة الحوثيين على العاصمة صنعاء ومؤسسات الدولة، وتصاعدت وتيرة الصراع منذ مارس/ آذار 2015، عندما قادت السعودية تحالفاً عسكريا بدعم من الإمارات، شن ضربات جوية مكثفة ضد الحوثيين الذين لا يزالون يسيطرون على العديد من محافظات اليمن.

وانعكست التقلبات في سعر الصرف بصورة فورية على أسعار السلع، وأكد سكان محليون في صنعاء، والعاصمة المؤقتة عدن، أن أسعار المواد الغذائية قفزت إلى مستويات قياسية منذ مطلع الأسبوع الجاري، فيما أوقف أغلب التجار عمليات البيع والشراء بانتظار استقرار أسعار الصرف.

وأكد مواطنون وتجار في صنعاء، أن تهاوي الريال تسبب في ارتفاع أسعار السلع بنسب تتراوح بين 50% و80%، وأن أسعار الأدوية قفزت بنسبة 40% منذ مطلع الأسبوع الجاري.

وفي العاصمة المؤقتة عدن (جنوب البلاد)، حيث مقر الحكومة، أغلقت معظم محال بيع المواد الغذائية أبوابها، منذ يوم الإثنين الماضي، بسبب حالة عدم اليقين بشأن وضع العملة وأسعار الصرف، كما أغلقت شركات ومحال الصرافة فروعها وأعلنت توقفها عن بيع وشراء العملات الصعبة.

وتوقع مستوردون، انخفاضا غير مسبوق للريال خلال الفترة القادمة ليصل الدولار إلى 800 ريال، مع اقتراب شهر رمضان وحاجة التجار للدولار لتغطية واردات الشهر الذي يشهد أعلى معدل استهلاك خلال العام.

وقال عمار الحمادي الخبير المصرفي لـ"العربي الجديد"، إن الكارثة الكبرى ليست في تجاوز سعر صرف الدولار حاجز الـ 500 دولار، وإنما في أداء الحكومة وإدارتها لملف الموارد وفي أداء البنك المركزي منذ قرار نقله إلى عدن.

وتشهد السوق مضاربات شديدة على النقد الأجنبي، في ظل انخفاض المعروض النقدي، بسبب الركود الاقتصادي وتوقف الاستثمارات، فضلاً عن عجز البنك المركزي عن التدخل في سوق الصرف.

ولجأت الحكومة اليمنية إلى السعودية التي تتجاهل المصاعب التي يعانيها اليمنيون منذ اندلاع الحرب. ونشر رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر رسالة يوم الثلاثاء الماضي على صفحته في فيسبوك موجهة إلى "الحلفاء" قال فيها إنه يتوجب على هؤلاء العمل على "إنقاذ الريال اليمني من الانهيار التام"، معتبرا أن "إنقاذ الريال يعني إنقاذ اليمنيين من جوع محتم". ودعا الدول الحليفة لحكومته إلى إيداع أموال في المصرف المركزي في عدن، وإرسال مشتقات الوقود.

وقررت الرياض، أمس الأربعاء، إيداع ملياري دولار في المصرف المركزي اليمني، وذلك بعد مطالبة الحكومة اليمنية بمساعدات مالية عاجلة، وفق بيان صادر عن مركز التواصل الدولي في السعودية، لتضاف الوديعة الجديدة إلى وديعة سابقة بقيمة مليار دولار.

ومنذ التدخل السعودي في اليمن، قتل أكثر من 9200 يمني، بينما أصيب أكثر من 52 ألف شخص أخر، بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، بالإضافة إلى الانهيار الاقتصادي والمعيشي لملايين الأشخاص وسط أزمة إنسانية تعد من بين الأزمات الكبرى في العالم سواء في مناطق سيطرة الحوثيين أو الحكومة.

وتأتي الوديعة السعودية في وقت تواجه المملكة نفسها مصاعب اقتصادية مع تراجع أسعار النفط منذ 2014 وكلفة الحرب المرتفعة في اليمن.

وسجل الاقتصاد السعودي في 2017 انكماشاً للمرة الأولى في ثماني سنوات بسبب تدابير التقشف الصارمة. وقدمت السعودية ميزانية توسعية للعام 2018، متوقعة أكبر نفقات حكومية في تاريخها في مسعى لتحفيز الاقتصاد الراكد، لكنها قدرت في الوقت ذاته أن يبلغ العجز في الموازنة نحو 52 مليار دولار.

وتأخرت وديعة السعودية نحو ما يقرب من عام، فقد أعلن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في فبراير/ شباط من العام الماضي 2017، عن موافقة السعودية على وضع ملياري دولار وديعة نقدية في البنك المركزي لدعم العملة المحلية، ولاحقاً أعلن عن استعداد السعودية لتقديم مبلغ 8 مليارات دولار لدعم خطة الإعمار، لكن تلك الوعود لم تخرج للنور بعد.

وتشعر الحكومة اليمنية بالخذلان، من عدم وفاء السعودية بتعهداتها، خاصة أنها أغدقت الوعود بأن الدعم سيكون ممكناً في حال نقل البنك المركزي اليمني من صنعاء، ولم يتم الوفاء بالتعهدات بعد مرور أكثر من عام على قرار نقل البنك.

وأكد طارق عبد الرشيد، أستاذ المصارف بالمعهد الحكومي للعلوم الإدارية لـ"العربي الجديد" أنه لا يمكن إنقاذ الريال بدون دعم خارجي لدعم الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، مضيفا: احتياطي النقد الأجنبي صفر، ورفده بالأموال سيمنع حدوث اختناقات في عمليات استيراد السلع الغذائية الأساسية والمحروقات".

في المقابل، لجأت جماعة الحوثيين إلى الحلول الأمنية في تعاملها مع أزمة تهاوي العملة المحلية، حيث قامت باعتقال عشرات الصرافين، ومصادرة أموال تقدر بملايين الريالات.

واقتحم مسلحون حوثيون، الثلاثاء الماضي، فرعاً لمصرف الكريمي التجاري وعدة فروع لشركات ومحال للصرافة، وقاموا بمصادرة ملايين من مختلف العملات، في تطور خطير يهدد سمعة القطاع المصرفي في اليمن. وإثر ذلك أغلقت عشرات شركات ومحال الصرافة في صنعاء ومدينتي ذمار (100 كم جنوب صنعاء) وإب (وسط البلاد).