تتقرّح قدماك من المشي، على أمل كتابة جملة. وكلما اقترب موعد زاويتك الأسبوعية، تتوتّر أكثر. منذ زمن تراوغك الكلمات بلا طائل. ماذا ستفعل الآن وقد هجَرَ الحافز؟ تلك الكيمياء التي تتحكّم بالمزاج ويسمونها الإلهام؟
"إلهام" من أجل "مقال"؟ ـ نعم يا رجل، وهل الأخير قليل!
تمشي طويلاً وتقرأ أطول. عسى يلهمك المكتوب حين لا يفعل المعيش.
فماذا إذا أدقعَ كلاهما مدارَ شهرين؟
تهرب إلى سان جوردي منذ الصباح: إلى موعدك السنوي مع الزملاء في الأتينيو. تذهب دون أن تعرف من ستقابل. وهناك تقف مع رجل لا يلفت النظر، ويُفهمك صديقك الشاعر السلفادوري مغانيا أنه وزير الثقافة. تسخر من هذه التسمية على مسمعه، وتقول إنهم كلهم، حيثما كانوا، مجرد ديكور. لكن ما يرضيك أن الرجل يتصرّف مع الجميع، مثل "الدخيل"، عارفاً حجمه.
تتناول الشمبانيا وسط اللطف الخانق، وتخرج مصطحباً مغانيا للقاء زميلكم الجورجي إيراكلي. هذا الشاعر الذي مذ جاء ومدريد تمنحه 3 شهور إقامة فقط، فيضطر إلى المغادرة نحو تركيا ويتشحطط هناك المدة ذاتها، كي يُسمح له بالرجوع.
تخترقان الحشود، حتى تصلاه على بسطة كتب دسمة وخاوية في باسيج دي غراسيا.
ما إن يراكما، يعانقكما مبتهجاً كمن جاءته النجدة. لقد ركّب طقمَ أسنان صناعياً، ويبدو اليوم في كامل قيافته بالقبعة السوداء والنظارة الشمسية.
قبلها، تكون أهديت نسختك من ديوانه الجديد المترجم إلى الكتالانية والذي أعطتك إياه رافييلا إلى مغانيا، وقبل أن تفعل تلفتك صفحة من الديوان مكتوبة بالجورجية، فتستغرب شكل الكلمات والحروف. إنها لغة أشبه برموز الرياضيّات.
يجري مغانيا حواراً سريعاً معه لوكالة الأنباء الرسمية "إِفي"، ثم تودّعانه وتمضيان.
في الطريق الملتحم لا المزدحم، يقول مغانيا إنه يعمل في القسم الثقافي 5 ساعات يومياً براتب يُعينه على مواصلة الدراسة.
تترك الشاب على إشارة المرور عند البركة، وتتوجه نحو أول الشارع باتجاه ساحة كتالونيا، فلربما يكون إدواردو ميندوثا ورفيقه المكسيكي قد حضرا لحفل التوقيع.
لم تنتبه للإعلان المعلّق، فتسأل عنهما إحدى البائعات، لتخبرك: "ماس ترده".
متأخّراً؟ كلا، ستعود. فكأسَا الشمبانيا أتعبا معدتك على الحليب السابق. وثمة نقْح ألم في عمودك الفقري الآن.
تغادر عائداً إلى عزلتك في باي دي برون، حيث زميلة السكن خرجت اليوم للركض، بشورتها الرياضي.
في المساء تفتح الشاشة وتتابع أخبار بلدك، ثم تنحرف لتقرأ عن مجريات هذا العيد الشعبى الأبهى بامتياز. لقد صادف السنةَ عطلةَ نهاية الأسبوع. والتوقعات تقول إن العدد سيتجاوز المليون ونصف زائر، في مساحة لا تزيد عن 2 كلم هي عملياً قلب برشلونة النابض. أما المحصلة، فـ 25 مليون يورو من وراء بيع الكتب، و110 ملايين يورو من وراء بيع الورود.
كم هو جميل هذا العيد لـ 400 كاتب وشاعر يوقّعون كتبهم، دون خيبات أمل أحياناً. وأيضاً، وقبل كل شيء للتجار!
أولئك العباقرة في صناعة المال من تقليد قروسطوي يتعلّق بأسطورة.
والأجمل من كليهما هو أنك جاهدت كي لا تقارن بين عيد هنا ومأتم هناك، فوجدت أخيراً شيئاً يُكتب، حتى لو كان دون كثير جدوى للقارىء.
* شاعر فلسطيني مقيم في برشلونة