لم يتوقف رئيس الائتلاف السوري أحمد الجربا والوفد المرافق له، منذ وصولهم إلى واشنطن بداية الأسبوع الحالي، عن طَرْق أبواب المؤسسات الأميركية المختلفة وعقد اللقاءات مع مسؤولين أميركيين، كوزير الخارجية جون كيري وأعضاء في الكونغرس ومسؤولي مراكز دراسات. كما ينتظر عقد لقاء مع الرئيس باراك أوباما مطلع الأسبوع المقبل.
ويتركّز الطلب الرئيسي للجربا، الذي يرى أن الصراع على الأرض في سورية "سيتغير بصورة نوعية"، في اتجاه رئيس وهو "السلاح النوعي"، وخصوصاً مضادات الطائرات، وذلك من أجل تحقيق مكاسب على الجبهة السياسة. يلقى هذا الطرح تفهماً تعكسه التصريحات الرسمية لمسؤولين أميركيين. لكن هذا التفهم لا يترجم بخطوات فعلية للإدارة الأميركية لدعم المعارضة السورية.
ويلاحظ المراقب كيف أن الإدارة الأميركية تعلن عن رفع مساعداتها لـ"الجيش الحر"، ومستوى تدريبها لعناصر في المعارضة السورية "المعتدلة" في الأردن ودول جوار أخرى، كما تفيد تقارير صحافية أميركية عن وصول صواريخ مضادة للدبابات من صنع أميركي إلى عناصر في المعارضة. لكن من دون أن يعني ذلك، من قريب أو من بعيد، أن واشنطن تراهن على حل الصراع بصورة عسكرية مباشرة أو غير مباشرة عن طريق تسليح المعارضة "المعتدلة"، بدليل أن واشنطن لا تزال ترفض نفي أو تأكيد ما إذا كانت قد اتخذت قراراً نهائياً بتقديم أسلحة نوعية للمعارضة كمضادات للطائرات أم لا. وفي السياق، قالت الناطقة باسم وزير الخارجية الأميركي، جين باسكي، "نحن ملتزمون بدعم المعارضة المسلحة المعتدلة، لكننا لن ندخل في تفاصيل عن نوعية ذلك الدعم، ومن المفترض أن يتطرّق اللقاء المرتقب لمؤتمر أصدقاء سورية (في لندن بغضون يومين) من المفترض أن يتطرق لهذه الأمور".
وانعكس الموقف الأميركي في التغيير الذي شهدته تصريحات الجربا خلال السنة الأخيرة. ففي حين كان رئيس الائتلاف السوري المعارض يطالب بتدخل عسكري في لقاءاته مع الساسة الغربيين، خفّض اليوم سقف مطالبه، لتُختصَر بـ"تحييد" سلاح الجو السوري، وبات الرجل يخاطب الأميركيين بعبارات من نوع "لا نريد منكم أن ترسلوا أولادكم إلى سورية، كل ما نطلبه هو تزويدنا بالأسلحة النوعية، ومضادات الطائرات". من دون شك، فإن هذا الخطاب موجه للرأي العام الأميركي الذي أنهكه احتلالا العراق وأفغانستان.
تتلخص المخاوف الأميركية خصوصاً، والغربية عموماً، في نقاط عدة لخّصتها جين باسكي، رداً على سؤال حول زيارة وفد الائتلاف، وعدم الاستجابة لمطالب الجربا بصورة كاملة حول التسليح، فأجابت الدبلوماسية الأميركية بالقول: نريد منع خلق معقل لقوى متطرفة ومنع هدم الدولة السورية ومؤسساتها، ومنع سقوط أسلحة كيماوية بأيدي متطرفين، ومنع تهديد أمن دول الجوار، ونريد وقف إراقة الدماء في سورية، ونؤمن بالحل السياسي للصراع.
بيد أن الواقع على الأرض مختلف تماماً. ففي حين تمكنت الإدارة الأميركية حتى اللحظة، من حماية أمن الدول المجاورة، في مقدمتها إسرائيل، وتمكنت من السيطرة على جزء من الأسلحة الكيمياوية للنظام السوري، إلا أن "لاءاتها" وأهدافها الأخرى لم تتحقق، وتبدو صعبة المنال أكثر من ذي قبل.
وأهم هذه الأهداف حالياً ما يتعلق بالوضع الإنساني في سورية. ويشهد البلد أكبر موجة نزوح بعد الحرب العالمية الثانية، بحسب بعض المصادر، تصل إلى تسعة ملايين نازح، ومقتل أكثر من 150 ألف شخص، وحصار لمخيمات ومدن سورية تعجز فرق الإغاثة التابعة الأمم المتحدة عن الوصول إليها، ما أجبر مسؤولة الإغاثة والعمليات الإنسانية في الأمم المتحدة، فاليري آموس، على الاعتراف، الأسبوع الماضي، بفشل مجلس الأمن في تنفيذ قراراته الخاصة بالمساعدات الإنسانية في سورية. أما الحل السياسي، فيرى الجربا أنه بات صعب المنال في ظل ترشح الرئيس بشار الأسد للانتخابات السورية، ووصفه بـ"المهزلة"، وهو الوصف المشابه الذي استخدمته واشنطن لترشح الأسد. كما أن نفوذ التنظيمات التي تدور في فلك "القاعدة" قد تعزز، الأمر الذي بدأ يثير قلق الدول الغربية على أمنها، بسبب مشاركة أجانب من مواطني الدول الأوروبية والولايات المتحدة في القتال ضمن صفوف هذه المجموعات. وتقدر أعداد هؤلاء بحوالى 1500 شخص.
لكن التناقض الصارخ بين ما تضعه الإدارة الأميركية من أهداف، وما تحققه على الأرض، يبدو واضحاً في إجابات باسكي على أسئلة الصحافيين. فقد تحدثت عن حزمة عقوبات أميركية جديدة، لتصل قائمة الأشخاص والشركات "المعاقَبة" إلى ما يقارب مئتي شخص، من ضمنهم شخصيات روسية وشركات قدمت مساعدات للنظام السوري. لماذا كل هذا التأخر في فرض العقوبات، ولماذا لا تفرض الإدارة عقوبات على الأسد وعائلته؟ كان ردّ باسكي أنها غير مخوّلة مناقشة خطط الإدارة المستقبلية أو النقاشات التي تدور داخل الإدارة حول هذا الموضوع.
لا تزال أمام وفد المعارضة السورية، لقاءات عديدة إلى حين انتهاء الزيارة في 14 من الشهر الحالي، وأهمها لقاء مع الرئيس باراك أوباما، قد تعلن بعده الإدارة عن خطوات إضافية، لن تكون حاسمة. ولعل هذا خط عام تنتهجه واشنطن في سياستها الخارجية التي ازدادت الانتقادات والتساؤلات حولها، إذ وصفتها مجلة "الإيكونومست"، في الثالث من الشهر الحالي، بأنها "مترددة ومضطربة".