أكبر مسافة لهجرة الطيور هي التي يقطعها خطّاف البحر الأركتيكي. فهذا النوع، الذي ينتمي إلى عائلة النوارس، يعشش في القطب الشمالي، في مناطق مثل اسكندنافيا الشمالية وسيبيريا وغرينلندا، ويشتّي في القطب الجنوبي (الأنتاركتيك). وهو بهذه الهجرة يدور حول الأرض مرة واحدة سنوياً.
طيور البحر تقوم برحلات هجرة فوق الطبيعة. فجلم الماء ذو المنقار المستدق الذي يعشش في جنوب أستراليا وفي تسمانيا، يقوم كلّ سنة بجولة حول المحيط الهادئ باتجاه عقارب الساعة، ليعود بعدها إلى أماكن تعشيشه. أما الطيور الصغيرة، أي العصافير، فإنها خلال الهجرة تطير على ارتفاع متوسطه 500 م إلى 1500 م، وبسرعة تتراوح ما بين 40 و50 كم في الساعة.
أما عن المسافات المقطوعة عند العصافير، فتعتبر على درجة كبيرة من الأهمية. فقد وضع الخبراء في إنجلترا حلقة دراسية (خاتم) في ساق طائر شكب، فعثر عليه بعد ثمانية أيام في ليبيريا على بعد أكثر من 5600 كم. والأغرب من ذلك، أنّ الدراسات بينت أن هناك عصافير تطير أثناء الهجرة بدون توقف لمدة 24 إلى 36 ساعة.
وإذا كانت المسافات المقطوعة من قبل الطيور المهاجرة تستدعي الانتباه، يبقى أن نعرف أنّ كل نوع من الطيور يقوم بتخزين الدهون في جسمه (في تجاويف البطن والترقوة) كمصدر للطاقة التي تساعده على الطيران. وهذه المواد المخزنة تكون بالكاد كافية لاجتياز المسافة التي تعوّد الطير على اجتيازها أثناء الهجرة. فإذا كان الطائر يجتاز 4 آلاف كم دفعة واحدة، فإنه يخزن كمية من الدهون على قدر هذه المسافة. وقد يصل مستوى التخزين لدى الطائر إلى نسبة 50 % من وزنه الأصلي. ويبدأ الطائر قبيل الرحلة الكبيرة بتناول الكثير من الفواكه التي تساعده بسكرياتها على الانطلاق واجتياز بدايات الرحلة.
أما الطيور الجارحة (آكلة اللحوم) فمعظمها لا يحتاج إلى تخزين الطاقة، لأنها تتسلق التيارات الهوائية الصاعدة والناتجة عن تسخين الأرض أو تغير الحرارة عند التقاء كتلتين مائية وهوائية أثناء النهار. بينما باقي الطيور التي تعتمد في هجرتها على ضربات أجنحتها كالعصافير وأنواع الحمام، فإنها بحاجة إلى تخزين الطاقة، وبالتالي فهي تهاجر بمعظمها في الليل على جبهات واسعة.
وبالاطلاع على الخريطة العالمية، نجد أنّ أفريقيا، وهي أرض الإشتاء لمعظم أنواع الطيور، تقع قليلاً إلى الغرب من مركز ثقل القارة الأورو-آسيوية. لذا فإن الطيور المهاجرة تتجه إلى أفريقيا من الشمال الشرقي باتجاه الجنوب الغربي. لكنها بعد أن تصل تحوّل اتجاهها من الشمال إلى الجنوب، كي لا تضيع في المحيط.
(اختصاصي في علم الطيور البريّة)