قبل عسكرة الثورة السورية، اعتاد هاشم ــ 16عاماً ــ ممارسة لعبة القنص على هاتفه الجوال. بعد استشهاد والده نتيجة برميل متفجر ضرب منزلهم في حي الشعار بمدينة حلب، انتقل هاشم بصحبة عائلته متجهاً إلى مخيم "كلس" على الحدود التركية، كثيراً ما تحدث مع والدته عن العودة إلى حلب وحمل السلاح للانتقام لوالده.
"في كل مرة كنت أردعه إلى أن استيقظت يوماً ولم أجده" تقول الوالدة لـ"العربي الجديد"، مضيفة "بعد يومين اتصل بي أحد الأقارب من حلب وأعلمني أنه التحق بكتيبة مقاتلة، عدت لآخذه لكنه امتنع، بعد أن قبلوا تطوعه فوراً.
"اليوم تحولت لعبة هاشم الإلكترونية المفضلة "القنص" لعمل حقيقي يمارسه، حاملاً بندقيته الثقيلة، خلف جدران الجبهات المشتعلة. هاشم ليس بمفرده، فكل المتقاتلين في سورية متورطون في تجنيد الأطفال.
من يجنّد أطفال سورية؟
"النظام السوري طرف بارز في تجنيد الأطفال ويتحمل مسؤولية ما يقوم به باقي الأطراف". هكذا بدأ الحقوقي السوري ومسؤول توثيق انتهاكات النظام في مؤسسة "حريات" عبد الفتاح قاسم حديثه لـ"العربي الجديد" كاشفاً أن النظام عمد بعد عام واحد من الثورة السورية إلى تشكيل ما يسمى "جيش الدفاع الوطني"، الذي هدف من خلاله إلى ضم أكبر عدد من المقاتلين بعد الانشقاقات التي حصلت في الجيش النظامي.
بنى النظام هيكلية هذا الجيش على قبول كل من يرغب في التطوع وتدريبهم وتسليحهم، وبعد عام على تشكيله واستمرار الخسائر في الجيش السوري، عمد إلى قبول من هم تحت الـ18 في صفوف الجيش، "العديد منهم يتلقى دورات لمدة 20 يوماً في إيران ثم يعودون لجبهات القتال" بحسب تأكيدات قاسم.
يؤكد عبد الفتاح أن "تجنيد الأطفال يتجلى أكثر في التشكيل العسكري الآخر الذي استحدثه النظام السوري، والذي أطلق عليه "قوات اللجان الشعبية"، وهو تشكيل عسكري قائم على تجنيد أبناء الأحياء ضمن مناطقهم للدفاع عنها". مشيراً إلى أن 40% من هذا التشكيل هم تحت سن الـ18.
السيدة (س.م) انتسب ابنها أحمد (16 عاماً) إلى اللجان الشعبية في حي القصور ضمن مدينة دير الزور شرقي سورية، "لم يمض شهره الأول ضمن اللجان الشعبية حتى قتل على جبهة حي الرشدية في معركة مع جبهة الأصالة والتنمية التابعة للجيش الحر" تقول أمه لـ"العربي الجديد" وتتابع باكية "لم نكن نرغب في تطوعه ولكن أغروه بالمال واستغلوا وضعنا الاقتصادي السيئ، حاولنا أن نثنيه، كنت دائماً أحس بالخطر خصوصاً عندما أراه يحمل البندقية، إلى أن وصلني خبر قتله على خط الرشدية، بقيت جثته شهراً ونصف شهر في الشارع بسبب تمركز القناصة، إلى أن سمحوا لنا بالاقتراب ودفن ما تبقى من الجثة على طرف الشارع".
أشبال الخلافة
يعمد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في محافظة الرقة، إلى تجنيد الفتية والأطفال من خلال زجهم في معسكرات تدريب تسمى "دورات الأشبال"، يتم ذلك بإغراء الأهالي لإرسال أطفالهم للتدريب مقابل مبالغ مالية خاصة مع تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية وانتشار الفقر والجوع في المحافظة.
في بعض الأحيان يجند الأطفال قصراً دون استشارة أهاليهم أو سؤالهم، في حالة تشبه الخطف، كما حدث مع عائلة آل "محمود حمادي الابراهيم" من عشيرة " قويدر" كما أكد الناشط أبو إبراهيم من الرقة لـ"العربي الجديد" متابعاً "يوم 14 مايو/أيار الماضي، فقد أثر حمادي 13 عاماً في المدينة، بدأ أهله البحث عنه طارقين كل الأبواب، إلى أن وجدوه في معسكر "الشركراك" التابع لتنظيم الدولة في المحافظة، وعند سؤالهم أمير داعش عن الطفل، نفى أن يكون عنده مؤكداً أنه لا يعلم شيئاً عن أمره، ولكن بعد وساطات ودفع مبالغ مالية عالية، اعترف الأمير أخيراً لأسرة الطفل بأنه موجود في المعسكر، وسلمه لهم".
يتابع أبو إبراهيم: "بعد خروج الطفل "حمادي" سألناه عن كيفية التحاقه بالتنظيم، فردّ بأن أصدقاءه أقنعوه بالذهاب معهم إلى المعسكر والالتحاق بداعش لقاء مبالغ مالية يقدمها التنظيم للأطفال الذين ينتسبون لمعسكرات الأشبال الخاصة بداعش".
ووفقاً لما رصدته "العربي الجديد"، تتم دعوة الأطفال إلى المعسكرات وتحفيزهم على الانضمام لـ"داعش" عن طريق الدورات الدينية التي يذهب لها الأطفال بسبب عدم تواجد المدارس، وعبر الخيم الدعوية التي يقيمها التنظيم، بانتظام في المحافظة بغية جمع أكبر أعدد من الكوادر الجديدة.
يقول الناشط أبو إبراهيم: "لتنظيم الدولة الإسلامية في محافظة الرقة عدة معسكرات معروفة، خاصة بتدريب الأطفال وهي معسكر الزرقاوي، معسكر أسامة بن لادن، المعسكر الشرعي للأشبال، وهو خاص بالأطفال دون 16 عاماً، معسكر الشركراك، ومعسكر الطلائع".
ويوضح أن التدريب ينقسم إلى قسمين في حال كان هناك جبهات مشتعلة، فالطفل يؤخذ إلى دورة شرعية وأخرى حربية مدتها 45 يوماً تكون مستعجلة، ثم يرسل إلى القتال، أما إن كانت الأوضاع مستقرة فيدخل الطفل دورة شرعية مدتها 45 يوماً أيضاً، لزرع أفكار وعقيدة التنظيم، ثم يرسل إلى معسكر حربي مدته 3 أشهر وبعدها يذهب إلى المعركة.
ويكشف أبو إبراهيم أن أكثر من 30 طفلاً مجنداً لدى الدولة الإسلامية قتلوا منذ بداية معركة عين العرب "كوباني"، معظمهم تحت سن 16، كما أن أحد منفذي العمليات الانتحارية، كان شاباً من الرقة يدعى "باسل حميرا" 18 سنة تخرج من المعسكر الشرعي للأشبال في الرقة.
فصائل الكرد
"الجميع في سورية متورط في تجنيد الأطفال"، هكذا استهل الناشط الحقوقي أحمد كنجو حديثه لـ"العربي الجديد"، ويؤكد كنجو لـ"العربي الجديد" قتال العديد من الأطفال ما دون سن الـ 18 في صفوف وحدات حماية الشعب "ypg"، وكذلك شرطة الأسايش في مناطق القامشلي وعفرين، ليسوا من الذكور فقط وإنما الإناث أيضاً، بعضهم يتم استخدامه لأعمال أخرى مثل الرصد والتذخير".
ويضيف كنجو "المعسكرات موجودة من قبل للتدريب والتطوع، وقد زادت نسبة المتطوعين دون سن 18 بعد هجوم تنظيم الدولة على عين العرب "كوباني" وقد استطعنا توثيق أسماء 17 طفلاً دون 18 قضوا في اشتباكات وهم يحملون السلاح". من جهته، يؤكد بسام الأحمد، المتحدث باسم مركز توثيق الانتهاكات في سورية أن "وحدات حماية الشعب ypg الكردية متورطة بدورها في عشرات حالات التجنيد للأطفال، على الرغم من أن الأنظمة واللوائح الداخلية للشرطة والقوات العسكرية الكردية تحظر استخدام الأطفال تحت سن 18 عاماً".
غياب الإحصائيات
حصر "مركز توثيق الانتهاكات" في سورية قتل 227 طفلاً ما دون سن 18 خلال الاشتباكات، كلهم تم تجنيدهم على يد أطراف وتنظيمات مسلحة مختلفة، ولا يشمل الرقم السابق الأطفال الذين تم تجنيدهم من قبل قوات النظام على الحواجز و"الذين نقدّر أعدادهم بالمئات" كما يؤكد المتحدث باسم المركز بسام الأحمد.
ويشير الأحمد إلى أنه لا يوجد إحصائيات دقيقة تقدر أعداد الأطفال المقاتلين في صفوف الجماعات والفصائل المسلحة في سورية ويضيف لـ"العربي الجديد" يتم استغلال الأطفال في القتال، أو استعمالهم لأغراض الوقوف على الحواجز، مراقبة، رصد، توصيل معلومات، الحراسة في نقاط الأمن، التجسس، معالجة الجرحى في ساحات المعارك، ونقل الذخائر وإمدادات أخرى إلى الجبهات المشتعلة".
مخالفة القوانين الدولية والمحلية
يحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان على القوات الحكومية والجماعات المسلحة غير التابعة لدول، تجنيد واستخدام الأطفال كمقاتلين أو في أدوار معاونة ضمن المعركة، كما يحظر البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل، والذي صدقت عليه سورية عام 2003، على الجيوش غير التابعة لدول تجنيد أو استخدام الأطفال تحت سن 18 في أي أعمال عدائية مباشرة، وتجنيد الأطفال تحت سن 15 عاماً، بما في ذلك الأدوار الداعمة، ويعد ذلك جريمة حرب بحسب تعريف نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية فيما يحظر البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقية جنيف لسنة 1949، المطبق أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية، على الدول والجماعات المسلحة غير التابعة لدول، تجنيد الأطفال أو استخدامهم تحت سن15 عاماً، وبالتالي فإن "حظر تجنيد الأطفال تحت سن 15 عاماً والذي يعد من قواعد القانون الدولي، ملزِم لجميع أطراف النزاع المسلح في سورية" كما تؤكد الخبيرة القانونية لميا نحاس لـ"العربي الجديد".
الكتائب ترد
يردّ أحد قادة كتائب جبل الزاوية ــ فضّل عدم ذكر اسمه ــ على الاتهامات الموجهة لهم بتجنيد الأطفال بأنهم لا يلزمون أحداً بالقتال في صفوفهم، مضيفاً لـ"العربي الجديد": أحياناً والد الطفل هو من يأتي لتسجيله بنفسه، أو يأتي بمفرده في حال كان ذووه من الشهداء، وحتى لو قبلنا بعض المراهقين ما دون 18 عاماً، لكن بشرط وضعهم في الشق التقني أو الإعلامي".
أما مؤسسة "خطى الإعلامية" التي بثت تفاصيل تدريب عدد من الأطفال في معسكر "أشبال التوحيد"، أثناء تجنيدهم من قبل سرية "أكناف بيت المقدس" في الغوطة فعلّقت بأن المعسكر يعلّم الأطفال كيفية الدفاع عن أنفسهم، قائلة "لا نجبر أحداً على التدريب، الأطفال يتعلمون بديهيات قد يحتاجون إليها في بيئة حرب مفتوحة".