سؤال لطالما شغلني وأرّق نومي طيلة أيام ماضية، لا أعلم سر هذا التوقيت بالذات، أم أنه سؤال ضمن مئات الأسئلة التي ترد على ذهنك لطبيعة المكان.. ولكن هذا السؤال يحتل الجزء الأكبر من أوقات الشرود والتفكير. يشغلني أكثر من متى الفرج؟ أو كيف النصر؟.
فيقيني بالنصر ملأ عليّ قلبي وعقلي، ومبشّراته كثيرة أمامي.
ولكن ذلك السؤال المعقد رغم يسره اللغوي، فهو مكون من كلمتين.. إلا أنه يحتوي مئات الأسئلة المركبة التي لا أجد حتى الآن إجابة عن كثير منها.
فماذا عن بلد انهار اقتصاديا ومبعثر اجتماعيا ومتفجر سياسيا؟
وماذا عن التصرف مع قادة الانقلاب في إطار العدالة الانتقالية ومحاسبتهم بتهمة خيانة الوطن؟
وماذا عن تلك المؤسسات الأمنية القمعية التي تخطت كل الحدود، فصرنا نسمع عن اغتصاب الفتيات المحتجزات كما نسمع عن التعذيب والصعق، ضاربين بعرض الحائط كل قيم المجتمع؟
وماذا عن حلم هيكلة الداخلية ونسف جهاز الأمن الوطني؟
وماذا عن السلم المجتمعي، أو أسطورته، ما السبيل إليه بعد هذه القسمة التي حدثت لشعب واحد، فأصبح شعبين، كما أصرّوا هم أن يجعلوه. ليس هذا فقط بل تطور إلى شماتة في موت الآخر، ورغبة في الذبح، ليس فقط السجن أو النفي؟
وماذا عن هذا الجيل الذي كفر بكل سلطة، فما عاد يأمل أن تقام على الأرض دولة عدل، بعدما ذاق كل شيء من أول السجن إلى موت أصدقائه جانبه مرورا بالتعذيب في مقرات الأمن الوطني الذي لم يكن يسمع عنه إلا من حكايا أجداده.
هل سيعود شباب هذا الوطن الذي هجره أو يتمنى هجره.. هل سيعود انتماؤه لهذا الوطن، ويستطيع أن يبذل فيه أي مجهود لإقامته بعد تلك العهود من الظلم والقمع والتشريد؟
وماذا عن الفقراء، تلك الطبقة المفرومة الآخذة في التزايد، حتى كادت أن تكون الشعب كله، ولا يشغلهم ثورة ولا انقلاب، فكلاهما بالنسبه لهم رفاهية.. هم لعبة السياسيين للجلوس على المقاعد.. هم تلك الأرض لإعلامي بلا ضمير؟
ماذا عنهم، وما سبيل انتشالهم من مستنقع الخوف والجوع والجريمة والكراهية؟
وماذا عن العدالة الانتقالية التي أضيف إليها بجانب ملف الشهداء والمصابين ومحاسبة من نهبوا ثروات هذا البلد واستعادة أموال الشعب. آلاف من أسر المعتقلين التي فقدت مصادر أرزاقها، وساعد على ذلك الجو المشحون ضد كل ما هو إسلامي وثوري، وماذا وماذا وماذا؟؟
ويأتي السؤال المخيف، ما دور كل واحد منا في تلك الأسئلة؟!
*أسير في سجون النظام المصري