21 نوفمبر 2024
... وموت الصحافيين واحد
كانت الصحافة دائما مهنة البحث عن المتاعب، قبل أن تتحول لاحقا إلى أن تكون هي مهنة المتاعب، وسينتهى بها الأمر إلى أن تكون هي نفسها المتاعب التي ينبغي أن يتخلص منها العالم إن اراد أن يستمر في الفساد، حيث مستقبله المتوقع.
قتل في العام 2017 الذي لم ينته بعد، 65 صحافيا في العالم، وفقا لإحصائية أصدرتها منظمة مراسلون بلا حدود، ورأى فيها زملاء بصيص أمل بالنسبة للأمن الصحافي، ما دام أن هذا العدد هو الأقل خلال الـ14 سنة الماضية! فالصحافيون الذين يموتون قتلا في أثناء تأدية مهامهم الصحافية في الميدان أصبحوا أقل من قبل، وهذا يعني أن الصحافة لم تعد مهنة خطرة، كما كانت في السابق.
على غير عادتي المفرطة في التفاؤل، لم أر في الأمر سوى خداع رقمي وحسب، فالمهنة في خطر، والصحافيون في خطر أكبر. وإن لم يمت الصحافي بالسيف، أو المسدس، مات بغيره حتى لو لم يكن موتا حقيقيا، فقد تعددت أسباب القتل الصحافي والموت واحد. المهم أن يتوقف الخبر عن الانتشار، وتنتهي الحقيقة التي ما انفكّ شرفاء المهنة وعشاقها في بحثٍ دائم عنها، وإن أوردتهم المهالك! وهذا يعني أن الصحافيين ما زالوا، وسيبقون طويلا، الهدف الأسهل بالنسبة لكل المتضرّرين من عملهم الجدّي، بقدر ما يعني أن الصحافيين أصبحوا أكثر حذرا، وأكثر خبرةً في مواجهة الأخطار المحدقة بهم، وأن منهم من ينتظر.
هناك عوامل أخرى خفضت الرقم المخيف في إحصائية الموت الصحافي، منها أن القتل ليس الوسيلة الوحيدة لمعاقبة الصحافيين، وإيقافهم عن الاستمرار في أعمالهم، بما لا يناسب المتضرّرين من هذه الأعمال. هناك طرق أخرى يتم التعامل بها مع الصحافيين، إما لإسكاتهم أو لحرف مناهجهم الصحافية، أو حتى إفسادهم بطرق مباشرة وغير مباشرة. وفي قراءة شخصية سريعة للواقع الصحافي الذي يهمني في سياق القضايا العربية المحيطة بي على الأقل، أستطيع، بثقة كبيرة، أن أوكد على ذلك، فعدد الصحافيين الذين تغيروا في طريقة تعاطيهم مع قضايا الرأي على سبيل المثال، من دون أي تغيير جذري بهذه القضايا وما يحيط بها من ظروف، أكثر بكثير جدا مما يمكن أن تحيط به الإحصائيات المنشورة. وعلى كل قارئ مهتم أن يصنع إحصائيته الخاصة بنفسه، وفقا لقراءاته الذاتية ومقارناته، وعندها ستفجعه النتيجة، كما فجعتني.
على أن الموت الأخطر في هذا السياق هو موت المهنة نفسها، ما يعني موت الحقيقة في أمكنةٍ من الصعب الوصول إلى حقائقها بلا صحافيين محترفين، وهذا ما أشار اليه تقرير "مراسلون بلا حدود" الذي برّر تراجع عدد الصحافيين الذين قتلوا في العالم خلال 2017 بنسبة 18% عن حصيلة العام الماضي بـ"إدراك متزايد لضرورة حماية الصحافيين بصورة أفضل، وتزايد الحملات التي قامت بها المنظمات الدولية ووسائل الإعلام نفسها، بهذا الهدف، وبأن الدول التي أصبحت في غاية الخطورة تفرغ من صحافييها، وهذه هي الحال كما قال التقرير "في سورية والعراق واليمن وليبيا حيث نشهد استنزافا في هذه المهنة". وهذا يعني موتا تدريجيا للمهنة، حفاظا على حياة أصحاب المهنة على الأقل في تلك البلدان.
قتل في العام 2017 الذي لم ينته بعد، 65 صحافيا في العالم، وفقا لإحصائية أصدرتها منظمة مراسلون بلا حدود، ورأى فيها زملاء بصيص أمل بالنسبة للأمن الصحافي، ما دام أن هذا العدد هو الأقل خلال الـ14 سنة الماضية! فالصحافيون الذين يموتون قتلا في أثناء تأدية مهامهم الصحافية في الميدان أصبحوا أقل من قبل، وهذا يعني أن الصحافة لم تعد مهنة خطرة، كما كانت في السابق.
على غير عادتي المفرطة في التفاؤل، لم أر في الأمر سوى خداع رقمي وحسب، فالمهنة في خطر، والصحافيون في خطر أكبر. وإن لم يمت الصحافي بالسيف، أو المسدس، مات بغيره حتى لو لم يكن موتا حقيقيا، فقد تعددت أسباب القتل الصحافي والموت واحد. المهم أن يتوقف الخبر عن الانتشار، وتنتهي الحقيقة التي ما انفكّ شرفاء المهنة وعشاقها في بحثٍ دائم عنها، وإن أوردتهم المهالك! وهذا يعني أن الصحافيين ما زالوا، وسيبقون طويلا، الهدف الأسهل بالنسبة لكل المتضرّرين من عملهم الجدّي، بقدر ما يعني أن الصحافيين أصبحوا أكثر حذرا، وأكثر خبرةً في مواجهة الأخطار المحدقة بهم، وأن منهم من ينتظر.
هناك عوامل أخرى خفضت الرقم المخيف في إحصائية الموت الصحافي، منها أن القتل ليس الوسيلة الوحيدة لمعاقبة الصحافيين، وإيقافهم عن الاستمرار في أعمالهم، بما لا يناسب المتضرّرين من هذه الأعمال. هناك طرق أخرى يتم التعامل بها مع الصحافيين، إما لإسكاتهم أو لحرف مناهجهم الصحافية، أو حتى إفسادهم بطرق مباشرة وغير مباشرة. وفي قراءة شخصية سريعة للواقع الصحافي الذي يهمني في سياق القضايا العربية المحيطة بي على الأقل، أستطيع، بثقة كبيرة، أن أوكد على ذلك، فعدد الصحافيين الذين تغيروا في طريقة تعاطيهم مع قضايا الرأي على سبيل المثال، من دون أي تغيير جذري بهذه القضايا وما يحيط بها من ظروف، أكثر بكثير جدا مما يمكن أن تحيط به الإحصائيات المنشورة. وعلى كل قارئ مهتم أن يصنع إحصائيته الخاصة بنفسه، وفقا لقراءاته الذاتية ومقارناته، وعندها ستفجعه النتيجة، كما فجعتني.
على أن الموت الأخطر في هذا السياق هو موت المهنة نفسها، ما يعني موت الحقيقة في أمكنةٍ من الصعب الوصول إلى حقائقها بلا صحافيين محترفين، وهذا ما أشار اليه تقرير "مراسلون بلا حدود" الذي برّر تراجع عدد الصحافيين الذين قتلوا في العالم خلال 2017 بنسبة 18% عن حصيلة العام الماضي بـ"إدراك متزايد لضرورة حماية الصحافيين بصورة أفضل، وتزايد الحملات التي قامت بها المنظمات الدولية ووسائل الإعلام نفسها، بهذا الهدف، وبأن الدول التي أصبحت في غاية الخطورة تفرغ من صحافييها، وهذه هي الحال كما قال التقرير "في سورية والعراق واليمن وليبيا حيث نشهد استنزافا في هذه المهنة". وهذا يعني موتا تدريجيا للمهنة، حفاظا على حياة أصحاب المهنة على الأقل في تلك البلدان.