إذا كان عقد الخمسينيات يمثّل بدايات ظهور عدد من التجارب الناضجة في الفن التشكيلي الأردني مثل مهنا الدرة ورفيق اللحام، فإن السبعينيات حملت نقلة نوعية مع وصول العديد من الفنانين بشهادات عليا من معاهد عربية وأوروبية ليؤسّسوا مرحلة جديدة، خصوصاً في مجال تدريس الفنون.
من بين هؤلاء كان الفنان الأردني الفلسطيني ياسر الدويك (1940) الذي حاز الشهادة الجامعية الأولى من "أكاديمية الفنون الجميلة" في بغداد عام 1968، ومنها انتقل إلى بريطانيا حيث نال درجة الدبلوم في فن الطباعة من "جامعة برايتون" عام 1973، وعاد منها إلى عمّان.
ساهم الدويك في صياغة مناهج التربية الفنية للمراحل التعليمية الأولى من خلال عمله موجّهاً في وزارة التربية والتعليم، كما ساهم في إرساء المشهد الفني مع عدد من مجايليه، مثل محمود طه وعزيز عمورة ونصر عبد العزيز وكرام النمري، من خلال معارضهم الأولى ومشاركاتهم آنذاك في عدد من الملتقيات الفنية العربية والدولية، كما أسّسوا رابطة التشكيليين الأردنيين".
حتى نهاية الشهر الجاري، يتواصل معرض "ياسر الدويك خمسون عاماً من الطباعة" الذي افتتح في غاليري "جاكاراندا اميجيز" في عمّان مساء الخامس منه، ويضمّ عدداً من الأعمال الاصلية التي نفّذها الفنان خلال العقود الخمسة الماضية، إلى جانب لوحاته وحروفياته المتعدّدة.
تستعرض الأعمال المعروضة المراحل التي مرّت بها تجربته، واستعمل خلالها تقنيات مختلفة مثل الحفر على الزنك والمونوبرنت والسلك سكرين وغيرها، حيث هيمنت عليه الانطباعية التي تناولت مفردة الإنسان وحياته اليومية في بداياته، ثم أخذت منحى تعبيرياً رمزياً في فترة لاحقة.
تنوّعت الموضوعات التي قاربها الفنان، فبرزت الطبيعة والأشكال الحيوانية والطيور في مطبوعاته خلال السبعينيات، ولم تغب أيضاً حياة الفلسطيني ومقاومته في مواجهة عمليات التهجير ومحاولات اقتلاعه من الأرض في العديد من الأعمال، التي وظّفت مفردات ورموزاً من الذاكرة الجمعية، كما استخدم العديد من المواد في تنفيذها، كالخشب والحديد والكرتون والقماش المطرَّز برسومات النباتات.
يُذكر أن ياسر الدويك قدّم أعمالاً منوّعة تنتمي إلى الرسم والتصوير والحرف اليدوية والحفر والطباعة والسيراميك والطلاء بالمينا، ولديه العديد من الكتابات النقدية في الصحف، كما شارك في إعداد وتقديم عدد من البرامج التلفزيونية، وأقام أكثر من خمسة عشر معرضاً فردياً.