في وقت كانت فيينا تناقش أزمة اللاجئين ضمن مؤتمر غرب البلقان، كانت رائحة جثث تفوح في إحدى الطرق الخارجية في النمسا. منذ مساء أول من أمس، بدأت الأخبار تتوارد عن شاحنة قيل إن فيها نحو 50 جثة، قبل أن يتبين أن العدد فاق السبعين. خبرٌ أصاب كثيرين بالذهول، حتى الدول التي كانت تشيّد جدراناً وتضع أسلاكاً شائكة على حدودها، في محاولة منها لكبح تدفق المهاجرين، وإن كانت مافيات التهريب لا تستسلم لكل هذه الإجراءات. وصباح أمس، أكدت وزارة الداخلية النمساوية أن الشاحنة المركونة كان فيها جثث لأكثر من 70 لاجئاً، بينهم نساء وأطفال.
بعض التفاصيل التي حصلت عليها "العربي الجديد"، تشير إلى أنه جرى في بودابست التحقيق مع أكثر من 20 شخصاً، وقد اعتقل أربعة أشخاص على الأقل، بعد الاستماع لشهادات لاجئين سوريين كانوا ينتظرون دورهم ليُنقلوا بالطريقة ذاتها. في السياق، يقول أحد السوريين الذين سلكوا الطريق البري وصولاً إلى بودابست (عاصمة المجر "هنغاريا") إن الأمر "يتعلق بمافيا أوروبية (من المجر نفسها ومن صربيا وبلغاريا، بالإضافة إلى بعض العرب)".
الشاحنة هي عبارة عن براد نقل للدواجن، قيل إنها عائدة لشركة مقرها سلوفاكيا، وقد بيعت إلى جهة أخرى خلال عام 2014. ويبدو أن مافيات التهريب تتفنن في استخدام أي سيارة لتهريب البشر، كما اعتادت نقل مهاجرين من إيطاليا إلى الدول الاسكندنافية.
ويقول عدد من السياسيين إن مالك السيارة الجديد هو شخص روماني من قرية كيشكت. ومع اعتقال السلطات في بودابست أشخاصاً من المجر وبلغاريا، بات الحديث علانية عن مافيا مشتركة وعابرة للحدود.
وقالت وزيرة الداخلية يوهنا ميكل لايترنرتولد، التي كانت تتواجد في ايستنستاد القريبة من موقع الحادث: "نحن أمام عمل تنظمه مافيا تهريب تستخدم جميع الوسائل المنحطة. ويجب وضع هؤلاء خلف القضبان". ودعت إلى اتفاق أوروبي سريع يتعلق بحماية المهاجرين وتخفيف تدفق اللاجئين". ووصفت يوم اكتشاف الجثث بـ "اليوم الأسود لأوروبا". من جهته، لم يخف وزير العدل النمساوي وولفانغ براندستيتر صدمته جراء هذه المأساة، قائلاً: "أشعر بالغضب والصدمة والتأثر".
في السياق، تقول مصادر صحافية إن الجثث، وجلهم من السوريين (وقد حددت جنسياتهم بعد اكتشاف وثائق سفر سورية)، كانوا قد عبروا صربيا إلى روسكا في المجر، ومنها شمالاً إلى الحدود النمساوية. لكن ما هو صادم، بحسب التسريبات، أن هؤلاء كانوا قد غادروا صباح الأربعاء الماضي من بودابست إلى النمسا، لكنهم قتلوا خنقاً في الشاحنة التي نقلت جثثهم عملياً". وربما كان بديهياً أن تعلن الشرطة النمساوية أن "رائحة الموت كانت تفوح من الشاحنة، وكانت السوائل تتسرب منها نتيجة تحلل الجثث، ما يعني أنهم ماتوا قبل فترة".
تضيف المعلومات أن 59 رجلاً و8 نساء و4 أطفال هم ضحايا هذه المأساة، التي تضاف إلى مأساة أخرى مات خلالها نحو 80 مهاجراً غير شرعي كانوا على متن قارب قبالة سواحل مدينة زوارة الليبية أمس. وأوضحت مصادر رفضت الكشف عن اسمها أن قارباً كان يقل نحو 400 مهاجر غير شرعي غرق قبالة مدينة زوارة، حيث كان بعض المهاجرين يرقدون في مخزن الأمتعة.
إلا أن الجريمة التي شهدتها النمسا ليست أمراً جديداً بالنسبة لمنظمة العفو الدولية، التي أعلنت أمس أن الأمر متوقع نتيجة سياسات اللجوء الغربية، في إشارة إلى الإجراءات الصارمة التي اتخذها عدد من دول الاتحاد التي رفضت استقبال هؤلاء اللاجئين بصورة عادلة. فهنغاريا تبني سياجاً عازلاً على حدودها، وقد تعاملت مع اللاجئين بعنف، وهددت بإنزال جيشها لمواجهة تدفقهم. وجددت الإعلان أن "السياج سيمنع تدفقهم".
اقرأ أيضاً: غرق نحو 200 مهاجر قبالة سواحل ليبيا