سؤال يراود فقط أولئك الذين يعيشون المأساة والمحيطون بهم من الأهل والأصدقاء: "كيف أعيش بمبلغ 37 جنيهاً إسترلينياً في الأسبوع، بل تحديداً 36.95 جنيهاً؟". قد يعتقد البعض أنّ الأمر سهل إذا ما أنفق المبلغ بحكمة للاحتياجات الأساسية، لكن حين تطول المدّة لتتجاوز الأشهر إلى سنوات في بلد كلّ ما فيه باهظ الثمن، تبدأ المعاناة الحقيقية، لطالبي اللجوء.
لا يسمح القانون البريطاني لطالب اللجوء بالعمل أثناء فترة البت بقضيته، لكن ينبغي عليه أن ينفق. أولئك الذين يملكون مالاً أو مجوهرات وكلّ ما ادّخروه ينفقونه على معيشتهم قبل أن يضطروا للحصول على الإعانات. ويحق للمعوزين الفارين من جحيم الحرب في بلادهم، الذين خسروا كلّ شيء قبل وصولهم إلى بريطانيا، الحصول على مبلغ قدره 36.95 جنيهاً إسترلينياً للشخص الواحد في الأسبوع. هذا المبلغ من المفترض أن يغطي كل شيء، من غذاء ومواصلات وملابس وأحذية وفواتير هاتفية، وألعاب أطفال وأنشطة ورحلات وفواتير صالونات الشعر وغيرها، باستثاء فواتير السكن.
يعبّر طوني (74 عاماً)، الذي وصل إلى البلاد منذ 15 عاماً تقريباً مع زوجته، للانضمام إلى ابنهما في بريطانيا، عن الاكتئاب الذي أصابه بعد أشهر من تقديم طلب لجوئه. يقول لـ"العربي الجديد": "بعد قضاء فترة وجيزة في منزل ابني وعائلته، انتقلت وزوجتي إلى أحد تلك الفنادق المخصّصة للاجئين، فرأيت أجناساً مختلفة من البشر، وشعرت بأنّ كرامتي تهان يومياً كلّما أردت الاصطفاف في الطوابير للحصول على الطعام أو جلست في تلك الغرفة الصغيرة في الفندق". يضيف أنّه ندم لرحيله عن بلده لبنان، وأراد مرّات عديدة العدول عن قرار اللجوء والعودة، بيد أنّ زوجته وابنه كانا يقنعانه بالصبر بحجة أنّ الظروف ستتبدّل. نقل بعدها وزوجته إلى منزل في نوتينغهام، وهي منطقة بعيدة عن مدينة لندن حيث يقيم ابنهما الذي كان السبب الرئيسي لمجيئهما إلى هذه البلاد.
تقول زوجته منى، لـ"العربي الجديد": "بدأنا بالحصول على كوبونات لشراء الطعام من السوبرماركت، وكان ينبغي إنفاق المبلغ الموجود على الكوبون بأكمله دفعة واحدة، وإلّا نخسر ما بقي منه. وكانت تمنع إعادة أي جزء من المال الموجود على الكوبون نقداً". تضيف: "كنّا نشتري أساسيات الحياة، وعجز زوجي عن شراء سجائره، حتى بات عصبياً، واستمرّ الأمر على هذا المنوال لأكثر من عام". لكنّ الأمور تبدّلت حين انتقلا إلى سكن آخر في شمال بريطانيا، وباتا يتقاضيان مبلغاً بسيطاً من المال لا يذكران قيمته اليوم عوضاً عن الكوبونات التي كانا يشعران كلّما توجها إلى السوبرماركت، بالإحراج من نظرة الناس إليهما حين يقدّمانها للدفع". يتدخل طوني ليقول إنّه حصل على اللجوء السياسي في البلاد بعدها، وتحسّنت جميع الظروف، وهما يتقاضيان إعانات حكومية اليوم تكفيهما للعيش بكرامة.
اقــرأ أيضاً
أمّا أحمد (28 عاماً)، وهو من أكراد العراق، فقد وصل إلى البلاد منذ أشهر. يقول إنّه يقيم حالياً في سكن لطالبي اللجوء في مدينة ليستر، وما زال عاجزاً عن إدراك مصيره في البلاد، وينتظر قراراً بشان قضيته. يرتبك أحمد حين يتحدّث عن المبلغ الذي يتقاضاه أسبوعياً والذي لا يكفي لدفع فاتورة الهاتف لحاجته إلى التواصل مع أهله باستمرار، إذ لا يتوفر الإنترنت. يحاول العيش على غذاء متواضع، إذ ينتظر وقت التخفيضات يومياً في السوبرماركت لشراء حاجته، كما يحاول التوفير في المواصلات فيقود دراجة هوائية أحياناً حين يسمح الطقس بذلك وتكون المسافة قريبة. حصل على الدراجة من إحدى الجمعيات الخيرية، حيث يستطيع أيضاً الحصول على الملابس مجاناً. يعقب: "على الرغم من كلّ تلك التسهيلات، تنقصني أشياء كثيرة، مثل شفرات الحلاقة والملابس الداخلية وأدوات التنظيف والنظافة الشخصية، وأعجز عن الذهاب إلى الحلّاق لقص شعري ودفع الكلفة التي تبلغ نحو 10 جنيهات". يؤكّد أنّه لا يعمل سرّاً، لكنّه لا يستطيع فهم سبب منعه من العمل، وهو في أمسّ الحاجة إلى المال في وقت لا يوفّرون له سوى القليل للبقاء على قيد الحياة.
بدوره، يقول هشام (29 عاماً)، وهو من لبنان، إنّه قدّم طلب لجوئه قبل أكثر من عامين، وعاش لفترة في منزل أحد أقاربه، لكنّه انتقل بعدها إلى سكن خاص بطالبي اللجوء. يتابع أنّ من الصعب جداً العيش بمبلغ 36.95 جنيهاً في هذه البلاد، فيتوجّه إلى الجمعيات للحصول على الملابس المستعملة أحياناً، كونه عاجزاً عن شراء الملابس الجديدة. يلفت إلى أنّ قريبه يدفع فاتورة هاتفه ويساعده أحياناً في تكاليف المواصلات، كما يتناول الطعام الأرخص ثمناً، أي معلبات التونا والسردين والفول والحمص. يخشى أن يعمل في السرّ لئلا يفتضح أمره ويجري ترحيله، مع العلم أنّ العديد من طالبي اللجوء معه لم يأبهوا بهذه القوانين، وتوجّهوا إلى العمل، إذ جرى استغلالهم من قبل صاحب العمل في معظم الأحيان، كونهم لا يحملون الوثائق المطلوبة. يشير هشام إلى حصوله على الإقامة منذ شهر تقريباً وهو في انتظار تسلمها حتى يبدأ العمل، بعد انتظار طويل ومرهق للأعصاب.
تبقى ظروف العائلات أصعب، إذ يعجز الأطفال عن استيعاب أوضاعهم الجديدة. في هذا الإطار، تقول بشرى (42 عاماً)، من سورية: "مع وصولنا قبل سنوات، سألتني ابنتي التي لم تتجاوز العاشرة من عمرها: لماذا لا نستطيع شراء أي شيء؟ هل كنّا أثرياء في بلدنا ولم أكن أدرك ذلك؟ ابتسمت حينها لا شعورياً، وحاولت أن أشرح لها أنّنا كنّا نعيش كبشر ولم نكن من أصحاب الثروات، وأنّ ما نعيشه اليوم هو محاولة لإبقائنا على قيد الحياة في بلد متطور ومؤمن بحقوق الإنسان مثل بريطانيا، لأنّ موتنا من الجوع أو البرد يعني تشويه صورة الديمقراطية والإنسانية التي جعلت هذه البلاد إحدى أكثر دول العالم جذباً للاجئين والمهاجرين". تضيف: "ببساطة، لم تكن ابنتي لتفهم كلّ تلك العبارات. فقلت لها إنّ الظروف ستتبدّل فور حصولي على عمل، ولحسن حظنا أخذنا حقنا في الإقامة في غضون أشهر، واندمج أولادي في المجتمع والمدرسة ونظام التعليم بشكل جيد".
اقــرأ أيضاً
لا يسمح القانون البريطاني لطالب اللجوء بالعمل أثناء فترة البت بقضيته، لكن ينبغي عليه أن ينفق. أولئك الذين يملكون مالاً أو مجوهرات وكلّ ما ادّخروه ينفقونه على معيشتهم قبل أن يضطروا للحصول على الإعانات. ويحق للمعوزين الفارين من جحيم الحرب في بلادهم، الذين خسروا كلّ شيء قبل وصولهم إلى بريطانيا، الحصول على مبلغ قدره 36.95 جنيهاً إسترلينياً للشخص الواحد في الأسبوع. هذا المبلغ من المفترض أن يغطي كل شيء، من غذاء ومواصلات وملابس وأحذية وفواتير هاتفية، وألعاب أطفال وأنشطة ورحلات وفواتير صالونات الشعر وغيرها، باستثاء فواتير السكن.
يعبّر طوني (74 عاماً)، الذي وصل إلى البلاد منذ 15 عاماً تقريباً مع زوجته، للانضمام إلى ابنهما في بريطانيا، عن الاكتئاب الذي أصابه بعد أشهر من تقديم طلب لجوئه. يقول لـ"العربي الجديد": "بعد قضاء فترة وجيزة في منزل ابني وعائلته، انتقلت وزوجتي إلى أحد تلك الفنادق المخصّصة للاجئين، فرأيت أجناساً مختلفة من البشر، وشعرت بأنّ كرامتي تهان يومياً كلّما أردت الاصطفاف في الطوابير للحصول على الطعام أو جلست في تلك الغرفة الصغيرة في الفندق". يضيف أنّه ندم لرحيله عن بلده لبنان، وأراد مرّات عديدة العدول عن قرار اللجوء والعودة، بيد أنّ زوجته وابنه كانا يقنعانه بالصبر بحجة أنّ الظروف ستتبدّل. نقل بعدها وزوجته إلى منزل في نوتينغهام، وهي منطقة بعيدة عن مدينة لندن حيث يقيم ابنهما الذي كان السبب الرئيسي لمجيئهما إلى هذه البلاد.
تقول زوجته منى، لـ"العربي الجديد": "بدأنا بالحصول على كوبونات لشراء الطعام من السوبرماركت، وكان ينبغي إنفاق المبلغ الموجود على الكوبون بأكمله دفعة واحدة، وإلّا نخسر ما بقي منه. وكانت تمنع إعادة أي جزء من المال الموجود على الكوبون نقداً". تضيف: "كنّا نشتري أساسيات الحياة، وعجز زوجي عن شراء سجائره، حتى بات عصبياً، واستمرّ الأمر على هذا المنوال لأكثر من عام". لكنّ الأمور تبدّلت حين انتقلا إلى سكن آخر في شمال بريطانيا، وباتا يتقاضيان مبلغاً بسيطاً من المال لا يذكران قيمته اليوم عوضاً عن الكوبونات التي كانا يشعران كلّما توجها إلى السوبرماركت، بالإحراج من نظرة الناس إليهما حين يقدّمانها للدفع". يتدخل طوني ليقول إنّه حصل على اللجوء السياسي في البلاد بعدها، وتحسّنت جميع الظروف، وهما يتقاضيان إعانات حكومية اليوم تكفيهما للعيش بكرامة.
بدوره، يقول هشام (29 عاماً)، وهو من لبنان، إنّه قدّم طلب لجوئه قبل أكثر من عامين، وعاش لفترة في منزل أحد أقاربه، لكنّه انتقل بعدها إلى سكن خاص بطالبي اللجوء. يتابع أنّ من الصعب جداً العيش بمبلغ 36.95 جنيهاً في هذه البلاد، فيتوجّه إلى الجمعيات للحصول على الملابس المستعملة أحياناً، كونه عاجزاً عن شراء الملابس الجديدة. يلفت إلى أنّ قريبه يدفع فاتورة هاتفه ويساعده أحياناً في تكاليف المواصلات، كما يتناول الطعام الأرخص ثمناً، أي معلبات التونا والسردين والفول والحمص. يخشى أن يعمل في السرّ لئلا يفتضح أمره ويجري ترحيله، مع العلم أنّ العديد من طالبي اللجوء معه لم يأبهوا بهذه القوانين، وتوجّهوا إلى العمل، إذ جرى استغلالهم من قبل صاحب العمل في معظم الأحيان، كونهم لا يحملون الوثائق المطلوبة. يشير هشام إلى حصوله على الإقامة منذ شهر تقريباً وهو في انتظار تسلمها حتى يبدأ العمل، بعد انتظار طويل ومرهق للأعصاب.
تبقى ظروف العائلات أصعب، إذ يعجز الأطفال عن استيعاب أوضاعهم الجديدة. في هذا الإطار، تقول بشرى (42 عاماً)، من سورية: "مع وصولنا قبل سنوات، سألتني ابنتي التي لم تتجاوز العاشرة من عمرها: لماذا لا نستطيع شراء أي شيء؟ هل كنّا أثرياء في بلدنا ولم أكن أدرك ذلك؟ ابتسمت حينها لا شعورياً، وحاولت أن أشرح لها أنّنا كنّا نعيش كبشر ولم نكن من أصحاب الثروات، وأنّ ما نعيشه اليوم هو محاولة لإبقائنا على قيد الحياة في بلد متطور ومؤمن بحقوق الإنسان مثل بريطانيا، لأنّ موتنا من الجوع أو البرد يعني تشويه صورة الديمقراطية والإنسانية التي جعلت هذه البلاد إحدى أكثر دول العالم جذباً للاجئين والمهاجرين". تضيف: "ببساطة، لم تكن ابنتي لتفهم كلّ تلك العبارات. فقلت لها إنّ الظروف ستتبدّل فور حصولي على عمل، ولحسن حظنا أخذنا حقنا في الإقامة في غضون أشهر، واندمج أولادي في المجتمع والمدرسة ونظام التعليم بشكل جيد".