ملايين المهاجرين غادروا بلدانهم الأصلية في السنوات الأخيرة لأسباب أمنية واقتصادية. معظم هؤلاء واجهوا الموت في مرات عديدة، سواء في بلدانهم التي تشهد حروباً مستمرة في المنطقة العربية وما يشبه المجاعات في دول أفريقية عدة، أو في طريقهم عبر الحدود البرية والبحرية. ما زالت صور الأطفال الغرقى في مياه البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجه شاهدة على إحدى مآسي العصر الأفظع. الوجهة النهائية أوروبا، خصوصاً دول الغرب والشمال، لكنّ الوصول إليها دونه الغرق في معظم الحالات.
من وصلوا إلى أوروبا لم تنفرج أساريرهم، فمنهم من فقد عزيزاً ومنهم من أصيب، ومعظمهم وضعوا في مراكز لجوء قيل عن الانتهاكات الحاصلة فيها كثيراً، في اليونان وإسبانيا وإيطاليا، بينما منعت دول عديدة عبورهم منها ووضعت جدراناً في وجههم حتى قاسوا الجوع والبرد.
وبينما تقدم بعض الدول الأوروبية مساعدات مالية شهرية لطالبي اللجوء، فإنّ دولاً أخرى في الاتحاد الأوروبي لا تمنح أيّ مساعدات من هذا النوع كما في حالتي إيطاليا وإسبانيا، على سبيل المثال. هناك يقع على عاتق طالبي اللجوء الاعتماد على الذات في تأمين ضروريات الحياة، من خلال العمل 12 ساعة يومياً بأجور زهيدة لا تتجاوز 10 يورو.
تلاحظ "العربي الجديد" في بعض المدن الإسبانية، خصوصاً في مناطقها الجنوبية السياحية، كيف ينتشر المهاجرون على أرصفة الشوارع لبيع بعض المنتجات الجلدية والمشغولات اليدوية لسد الحاجة المالية.
في المقابل، تتولّى بعض المنظمات الخيرية، والصليب الأحمر، مساعدة هؤلاء في تأمين مراكز الإقامة انتظاراً لحسم الوضع. تسيّر هذه المنظمات الخيرية دوريات تقدم بعض الطعام الخفيف والحساء للبائعين المتجولين.
باتت الشرطة الإسبانية، بحسب ما يذكر بعض طالبي اللجوء لـ"العربي الجديد"، أكثر تسامحاً مع نشر البسطات على أرضية الأرصفة: "في السابق كانت الشرطة تلاحقنا بشكل عنيف، ونفقد بعضاً من بضائعنا أثناء الركض، وهو ما يعتبر مدمراً لنا، إذ نتحمل دفع قيمة البضائع للتجار"، بحسب ما يقول السنغالي بوبكر في فوينخيرولا بإقليم الأندلس (جنوب إسبانيا). وتخشى منظمات تهتم بمصالح طالبي اللجوء والمهاجرين في إسبانيا وإيطاليا، وغيرهما من دول القارة، من "استغلال محترف لحاجة هؤلاء المهاجرين أثناء انتظارهم حسم أوضاعهم القانونية، وذلك من خلال إجبارهم على العمل لساعات طويلة، قد تمتد أكثر من 14 ساعة، مقابل مبالغ زهيدة". يؤكد بوبكر أنّ ساعات العمل الطويلة هذه "لا تمنح الشخص أكثر من 10 يورو طوال النهار".
ما ينطبق على دول جنوب القارة ينطبق أيضاً على دول شرقها، فالمجر وجمهورية التشيك وبولندا وبلغاريا، وغيرها، نادراً ما تعترف بطالب اللجوء وتقدم له مساعدة مالية عدا عن وضعه في مراكز لا وجبات طعام فيها.
الوضع أفضل بكثير في بلجيكا، يحصل طالب اللجوء على مساعدة مالية أثناء الانتظار تقدّر بنحو 263 يورو، وينطبق الأمر على المقيمين في مراكز الاستقبال (التي خفّضت أعدادها خلال العام الماضي) أو خارجها. ويمكن أن يعطى طالبو اللجوء، بعد مرور أربعة أشهر على دراسة الطلب، موافقة للعمل والبدء بالدراسة والانتقال إلى خارج المراكز، لكنّ قلة قليلة تستفيد من هذه الفرص. ويمكن للقصّر من دون مرافقين الحصول على لمّ شمل للوالدين، بعد استيفاء عدد من الشروط.
في الجارة هولندا تقدّر القيمة الشهرية المقدمة لطالب اللجوء بنحو 230 يورو. وفي حال امتلاك طالب اللجوء مبلغاً يتجاوز سقف الممنوح شهرياً يجري خصمه من المساعدة المقدمة أثناء الإقامة في معسكر اللجوء. وفي حال حصول طالب اللجوء على عمل يترتب عليه دفع جزء من الدخل لمركز اللجوء بدل إقامة، كما يمكن لطالبي اللجوء العمل تطوعاً.
غرقوا قبل الوصول
تشير أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الصادرة في الحادي عشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري، إلى أنّ عدد المهاجرين الذين خاطروا بأرواحهم للوصول إلى أوروبا عن طريق البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجه وصل إلى 162 ألفاً و114 شخصاً حتى ذلك التاريخ، قضى منهم 3081 شخصاً غرقاً.