بينما تستمر الآلة العسكرية الحكومية في سوريا بتدمير المدن والقرى الحاضنة للثورة بشتى انواع الأسلحة الثقيلة، يجري الحديث بين الفينة والاخرى عن إعادة الإعمار وتكاليفه الباهظة، في بلد يعاني أساساً من شحّ في موارده المالية، فضلاً عمّا خلّفته الأزمة، بعد ثلاث سنوات من مآسي وكوارث في البنية الاقتصادية للمواطن والدولة على حدّ سواء.
لا توجد حتى الآن دراسات دقيقة ومتكاملة عن حجم الدمار في سوريا وتكلفة إعادة إعمارها، نظراً لاستمرار العمليات العسكرية من جهة وتعدد أشكال وأسباب الدمار من جهة أخرى، وكل ما يجري تداوله هو تقديرات لناشطين أو هيئات سياسية أو هيئات ذات مصلحة لتحقيق أهداف بعينها.
غير أن الاحداث تشير الى أن هناك 9 محافظات بمدنها وأريافها تعرضت للدمار من أصل 14 محافظة في سوريا. وتتفاوت نسبة الدمار بين محافظة وأخرى، فضلاً عن اختلاف شكله. ففي حلب على وجه التحديد، فإن الدمار أكثر ما طال في البداية البنية الصناعية في المدينة والذي تشير الخسائر فيها الى أكثر من 15 مليار دولار، غير أن تعرّض المدينة في الفترات الاخيرة للدمار بواسطة البراميل المتفجرة والذي طال بيوت المدنيين، جعل من هذه التقديرات غير واقعية وغير منطقية، ليجري الحديث عن خسائر تتجاوز الخمسين مليار دولار في حلب وحدها.
ومن جهة ثانية، يعتمد البعض في تقديراته لتكاليف إعادة الاعمار على عدد اللاجئين والنازحين السوريين جراء الازمة الحالية، والتي تشير أرقامها الى وجود اكثر من 7 ملايين لاجئ ونازح بينهم نحو 4 ملايين في الدول المجاورة وعلى رأسها تركيا والأردن ولبنان.
ويفترض أصحاب هذه النظرية أن أغلب هؤلاء اللاجئين والنازحين هم ممّن فقدوا منازلهم بالكامل، لذلك يضعون تقديراتهم بناءّ على أرقام تتحدث عن دمار 4 ملايين منزل وما تتطلّبه من تكاليف إعادة إعمار قد تصل الى أكثر من 150 مليار دولار.
ومع ذلك لا يمكن الاعتماد على هذه التقديرات نظراً لأن ليس كل مَن غادروا مكان إقامتهم هم ممّن فقدوا منازلهم، فهناك هجرات حدثت لأسباب أمنية وبحثاً عن النجاة من الموت.
وبحسب محمد جمال من "منظمة إعادة الاعمار السورية"، التي تعمل داخل البلاد لدراسة أوضاع الدمار وتقديرات تكاليف إعادة الاعمار، فإن تكاليف الاعمار قد تصل الى 500 مليار دولار نظراً إلى أن الدمار لا يقتصر على منازل المدنيين فحسب بل هناك دمار هائل في البنية التحتية يتم في الغالب اخراجها من التقديرات، رغم أنها هي التي تحتاج الى تكاليف إعادة إعمار باهظة، كالمستشفيات والمدارس وغيرها من المرافق العامة كالطرق والجسور والكهرباء وشبكة المياه والهاتف الثابت والخليوي.. الخ.
ويرى جمال أن تكلفة إعادة بناء مستشفى بتجهيزاته قد تعادل تكلفة بناء حي بأكمله أو إعادة بناء محطة تحويل كهرباء، مضيفاً أن الكثير من هذه الدراسات تتجاهل أيضاً تكاليف إزالة الدمار والتي توازي في أحيان كثيرة تكلفة إعادة الاعمار.
لذلك يعتبر أن الحديث عن إعادة الاعمار لا يمكن أن يكون موفّقاً قبل وقف الدمار وحصر الخسائر وفق دراسات ميدانية احترافية.
وبحسب إحصائيات لناشطين ومهتمين، فإن أكثر من 20 مستشفى كبير تعرضت للدمار بشكل كامل ومثلها لدمار جزئي، بالإضافة الى تعرّض أكثر من 500 مدرسة للدمار الكامل واكثر منها الى الدمار الجزئي أيضاً، وأما بالنسبة لبيوت المدنيين، فإن هناك أحياءً بكاملها في حلب وحمص وريف دمشق ودرعا وادلب ودير الزور قد دمرت بالكامل، وفي بعض هذه المحافظات مثل حلب ودير الزور، يشير الناشطون الى أن نسبة الدمار في بيوتها بما في ذلك الارياف قد تصل الى نحو 40%.
ومهما يكن، فإن الكارثة كبيرة وعلى كافة الصعد، لأن متطلبات إعادة الاعمار تفوق، في أدنى التقديرات، مقدرات البلد الاقتصادية من دون أن يكون هناك أزمة ودمار، فكيف هو الحال وقد خسرت سوريا أغلب مقوّمات إنتاجها الاقتصادي؟!