عمقت تداعيات جائحة تفشي فيروس كورونا أزمات العديد من الصناعات المصرية التي كانت تُعاني أصلًا من تراجع في حركة المبيعات، تخطت نسبته 50 في المائة، نتيجة إغراق الأسواق، إما بسبب دخول منتجين جدد بهدف الاستحواذ على السوق لصالح جهات مثل الجيش، كما حدث في صناعة الإسمنت، أو نتيجة منافسة المنتج المستورد لنظيره المحلي، في ظل عدم وجود حماية للمنتج المصري، كما حدث في صناعة الألومنيوم، أو نتيجة لصدور قرارات غير مدروسة كوقف عمليات البناء لمدة 6 أشهر.
السكر
تُعاني صناعة السكر في مصر من أزمة ركود تكاد تكون خانقة، نتيجة تراجع المبيعات بسبب إغراق السوق بالسكر المستورد، والذي وصل سعره في البورصات العالمية إلى أقل من 4 جنيهات للكيلو (ربع دولار)، في الوقت الذي يصل سعر تكلفة إنتاجه في الشركات المصرية إلى 7 جنيهات.
ويرى مسؤول في وزارة الزراعة أنه رغم صدور قرار بحظر السكر المستورد لمدة 3 أشهر، إلًا أن القرار لم يؤثر على حركة مبيعات المحلي، لوجود مخازن مكدسة بالسكر المستورد، من قبل صدور القرار .
وأشار إلى أن المساحات المزروعة ببنجر السكر هذا الموسم، تراجعت بحوالي 80 ألف فدان، مسجلة 520 ألف فدان مقابل 600 ألف فدان الموسم الماضي، بنسبة انخفاض 13.3 في المائة، وهو ما أدى إلى انخفاض الإنتاج بحوالي 150 ألف طن مسجلًا 1.4 مليون طن، مقابل 1.55 مليون طن 2019.
ولفت إلى انخفاض إنتاجية محصول قصب السكر بسبب تدني مستوى الخدمة من قبل المزارعين، نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج من وقود وسماد وعمالة وخلافه، وكذلك لإصرار المزارعين على زراعة صنف قديم من القصب يرجع لأكثر من 60 سنة.
يذكر أن مصر تستهلك ما يقارب 3.3 ملايين طن سكر سنويا، وإنتاجها المحلي من السكر (البنجر والقصب) يصل إلى 2.3 مليون طن، ويتم تلبية باقي الاحتياجات عبر الاستيراد من الخارج.
الإسمنت
تراجعت مبيعات الإسمنت بمعدلات وصلت إلى 50 في المائة نتيجة صدور قرار حكومي بوقف عمليات البناء لمدة 6 أشهر، بالإضافة إلى تراجع الصادرات 32 في المائة خلال أول 5 أشهر من 2020، بسبب انكماش السوق العالمي كأحد تداعيات فيروس كورونا.
واضطرت الشركات لوقف بعض خطوط الإنتاج لوجود كمية من المعروض زيادة عن الطلب تقدر بحوالي 34 مليون طن، إذ إن حجم الإنتاج الحالي يصل إلى 84 مليون طن، في حين أن حجم الاستهلاك السنوي لا يتعدى 50 مليون طن.
وأرجع خبراء الصناعة ارتفاع هذا الكم الهائل من الإنتاج لدخول مستثمرين جدد في سوق الإسمنت، إذ كان حجم الشركات في عام 2008 لا يتعدى 12 شركة، وفي 2020 وصل إلى 26 شركة، منها شركات تابعة لأجهزة سيادية (شركة بني سويف التابعة للجيش تنتج وحدها 12 مليون طن سنويًا).
وكانت شركة جنوب الوادي للإسمنت قد أعلنت في نهاية 2019 وقف تنفيذ إنشاء الخط الثاني في مصنع الشركة في بني سويف، فيما علقت شركة إسمنت طرة، التابعة لشركة هايدلبيرغ الألمانية للإسمنت، الإنتاج بسبب أزمة مالية ناجمة عن تخمة المعروض في السوق المحلية، وكذلك أوقفت شركة النهضة للإسمنت بقنا في وقت سابق الخط الرئيسي للإنتاج (توقف جزئي).
الجلود
يؤكد عدد من خبراء صناعة ودباغة الجلود في مصر أن مهنتهم تعاني من كارثة، أحد مظاهرها إلقاء جلود الأضاحي في النفايات لأول مرة في تاريخ المهنة، نتيجة تراجع الطلب عليها بعد السماح بإغراق السوق المصري بالمنتجات الجلدية الصينية، المتمثلة في "الكوتشي".
وأوضحوا أن المستوردين تحايلوا لعدم فرض رسوم على المنتج الكامل، فاستوردوا الجزء العلوي من الكوتشي فقط (الفوندي)، كأحد مستلزمات الإنتاج، ومعها ماكينات الحقن، إذ يتم حقن "الوش" مع "النعل"، في ورش تابعة لكبار المستوردين في مناطق بالقاهرة والقليوبية، ويخرج المنتج كاملًا، منافسًا للصناعة الوطنية ومضيعًا على الدولة رسومًا كانت تُحصّل على المنتج الصيني كامل الصنع.
وأظهرت بيانات المجلس التصديري للجلود تراجع صادرات المنتجات الجلدية بنحو 25.3 في المائة، إذ سجلت 78.4 مليون دولار في 2019 مقابل 105 ملايين دولار خلال 2018، فيما انخفضت صادرات قطاع دباغة الجلود خلال 2019، مسجلة حوالي 74مليون دولار مقابل 99.5 مليون دولار في 2018، بانحفاض بنحو 25.5 في المائة.
الحديد
واصلت صادرات الحديد من اللفائف والمسطحات المسحوبة، سواء على البارد أو الساخن، تراجعها بنسبة 43 في المائة، خلال الفترة من يناير/كانون الثاني- مايو/ أيار 2020، بالمقارنة بنفس الفترة من 2019، إذ انخفضت قيمتها من 363 مليون دولار في 2019، إلى207 ملايين دولار في 2020.
ويعزو المعنيون في صناعة الحديد في مصر الأسباب إلى حالة الركود التي تضرب السوق العالمي بشكل عام بعد تفشي جائحة كورونا، إضافة إلى أن تكلفة الإنتاج في مصر مرتفعة نتيجة ارتفاع أسعار الوقود الحكومي المورد للمصانع.
وبيّنوا أن شركات الحديد تعاني من حالة ركود شديدة، ازدادت حدتها بعد صدور قرار بوقف عمليات البناء لمدة 6 أشهر، الأمر الذي أدى إلى اضطرار بعد المصانع لوقف عدد من خطوط الإنتاج، والاقتصار فقط على إنتاج المطلوب.
وبلغ إنتاج مصر من الحديد، خلال يناير/كانون الثاني وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 2019، نحو 6.6 ملايين طن، مقابل 7.4 ملايين عن نفس الفترة 2018، بنسبة تراجع 10.8%، وفقًا لبيانات صادرة عن البنك المركزي المصري.
الطوب
أكدت جمعية أصحاب مصانع الطوب الطفلي في مصر أن حوالي 70 في المائة من مصانع الطوب في مصر (2000 مصنع) من أصل نحو 2850 مصنعًا على مستوى الجمهورية، توقفت عن الإنتاج وتم تشريد عمالها، لعدم وجود مقدرة على دفع رواتبهم من قبل أصحاب المصانع.
وأرجعت السبب الرئيسي إلى صدور قرار بوقف عمليات البناء لمدة 6 أشهر، ومن قبلها أزمة تفشي فيروس كورونا، إذ تراجعت المبيعات بمعدلات وصلت إلى 75 في المائة، لافتة إلى أن هذا القرار أضر بمصالح أكثر من 350 ألف عامل مباشر وغير مباشر، يعملون في هذه المهنة.
الألومنيوم
كشف مصدر مسؤول بشركة مصر للألومنيوم (حكومية) ارتفاع خسائر الشركة إلى حوالي 1.4 مليار جنيه، نتيجة وصول حجم الراكد في المخازن إلى 100 ألف طن، ما اضطر معه الشركة إلى وقف 118 خلية عن الإنتاج (حوالي 20 في المائة).
وأرجع المسؤول أسباب الخسائر الرئيسية إلى تراجع الصادرات التي تمثل 55 في المائة من إنتاج الشركة، نتيجة تراجع السعر العالمي إلى 1580 دولارًا للطن، هو ما يمثل خسارة للشركة، إذ إن السعر العادل للشركة 1750 دولارًا للطن، بالإضافة إلى تداعيات فيروس كورونا وتأثيره على حركة التجارة العالمية.
وأشار إلى أن 45 في المائة من الإنتاج مخصص للسوق المحلي، والمتعثر هو الآخر، بسبب منافسة المنتج الأجنبي، والذي تصب المنافسة السعرية في صالحه، إذ أن طن الألومنيوم المستورد يصل سعره إلى 38 ألف جنيه، في حين أن سعر نظيره المصري يصل إلى 44 ألف جنيه.
وكشفت الشركة في بيان مرسل للبورصة المصرية عن تحقيق خسائر قدرها 1.02 مليار جنيه، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي الجاري، بالمقارنة بأرباح قدرت بـ716مليون جنيه عن الفترة نفسها من العام السابق.
وأرجعت الشركة أسباب تحولها من الأرباح إلى الخسائر إلى ارتفاع تكلفة الطاقة الكهربائية ومستلزمات الإنتاج الأخرى، وانخفاض السعر الأساسي للمعدن ببورصة المعادن العالمية، مع تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه، إضافة لاستغناء الشركة عن نسبة كبيرة من استثماراتها المالية للوفاء بالتزاماتها المالية، ما أدى لانخفاض العائد من الاستثمارات.