من الطبيعي جداً أن يدعو الإنسان لنفسه وللآخرين بالعافية كي لا يمرضوا، ولكن ليس طبيعياً أن يكون الدعاء خوفاً من الاضطرار إلى دخول المستشفى، أكثر من كونه خوفاً من المرض في حد ذاته. هذه المفارقة العجيبة حاصلة في الجزائر، إذ صار يقال بالعامية الجزائرية: "الله لا يعطيك أضرار توصلك للسبيطار (المستشفى)". وأُلّفت هذه الجملة في أغانٍ ساخرة عديدة، ما يعكس الحالة المزرية التي تعيشها مستشفيات البلاد.
ميزانية ضخمة بلا نتائج
واقعٌ لا يعكس مطلقاً حجم الميزانية التي تخصصها الدولة، سنوياً، لقطاع الصحة، والتي بلغت العام الحالي نحو 4.8 مليارات دولار، لا بل وصلت ميزانية الصحة، طوال السنوات الإحدى عشرة الماضية، إلى نحو 70 مليار دولار، إلا أن الكثير من المرضى الفقراء والبسطاء، صاروا يفضلون البقاء في بيوتهم وانتظار الموت على أن يقصدوا المستشفيات الحكومية التي يعشعش فيها الفساد والإهمال. إذ يكشف تقرير للبنك الدولي، أن حوالي 20% من نفقات الجزائر على القطاع تضيع بسبب سوء التسيير والفساد... أمّا المستشفيات الخاصة التي تقدم خدمات أفضل فتكلفتها الباهظة تغني حتى عن التفكير في زيارتها.
حالة مصطفى الذي فقد والده في أحد مستشفيات المدن الداخلية للبلاد بسبب الإهمال الطبي، تلخص هذا الواقع. يؤكد مصطفى لـ "العربي الجديد"، أنه كان بالإمكان إنقاذ حياة والده، لو لقي الاهتمام اللائق به في هذا المستشفى. مضيفاً أن "والده معسور الحال أجرى عملية جراحية لانتزاع ورم سرطاني من القولون، وكان يطلب منه، قبلها وفي كل مرة، إجراء الأشعة والتحاليل الطبية اللازمة للعملية لدى الجهات الخاصة، على الرغم من توفرها في المستشفى".
ويقول مصطفى، بحسرة: "تمنيت لو أن أبي مات في فراش بيته، ولم يزر هذا المستشفى إطلاقاً، فالتداوي بالأعشاب الطبية في البيت كان سيكون أفيد".
وللوقوف على ملابسات القضية عن كثب زارت "العربي الجديد" مصلحة أمراض السرطان "بيار وماري كيير" في المستشفى الحكومي "مصطفى باشا" في العاصمة، ليتبين أنها تجمع بين سوء التسيير والمحسوبية، في ظل توافد المرضى عليها من كل أرجاء البلاد. ففي أحسن الأحوال يحصل المريض على موعد للتداوي بالعلاج الإشعاعي بعد خمسة أشهر على الأقل، وقد تصل المدة أحياناً إلى سنة. سعيد الحظ من المرضى هو الذي له معارف في المصلحة، لكنه يعود ليعاني لاحقاً من "ندرة الأدوية والأطباء المعالجين".
اللجوء إلى القطاع الخاص
لا يندر، وأنت داخل المصلحة، أن تسمع قريب أحد المرضى يسبّ بأعلى صوته كل مسؤول عن الصحة في هذا المستشفى وفي البلاد عامة، وذلك بعد أن رفض مسؤولو مصلحة "بيار وماري كيير" استقباله. وقد أسرّ أحد المواطنين لـ "العربي الجديد" بأن الأطباء الجراحين يماطلون في العلاج، كي يدفعوا المرضى إلى اللجوء إلى القطاع الخاص الذي يشتغل فيه غالبية الأطباء المختصين، حتى أن منهم من يهرب الأدوية إلى المستشفيات الخاصة، تحت شعار: المرض للجميع والصحة لمن يدفع أكثر".
ويردّ رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، الدكتور محمد بقاط بركاني، الحالة التي يعيشها القطاع الصحي في الجزائر إلى أن وزير الصحة لا يصمد في منصبه أكثر من سنتين ونصف في المتوسط، بالإضافة إلى كون غالبية هؤلاء الوزراء ليسوا متخصصين في الصحة. ويلفت بركاني لـ "العربي الجديد" إلى أن هناك سبباً آخر لذلك، وهو ازدواجية عمل الأطباء المختصين بين القطاعين العام والخاص، الأمر الذي يجعلهم يهملون القطاع العام بالنظر إلى الربح المادي الذي يجنونه في القطاع الخاص.
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي مقدم عبيرات أن أهم أسباب تردي خدمات القطاع الصحي في الجزائر يتمثل في تركز أغلب اختصاصات الأمراض المستعصية في المدن الكبرى شمال البلاد، فضلاً عن هجرة الأطباء المتخصصين بقية المدن، لعدم توفر الإمكانات الطبية فيها وانعدام التجهيزات الطبية بالمطلق أحياناً.
ميزانية ضخمة بلا نتائج
واقعٌ لا يعكس مطلقاً حجم الميزانية التي تخصصها الدولة، سنوياً، لقطاع الصحة، والتي بلغت العام الحالي نحو 4.8 مليارات دولار، لا بل وصلت ميزانية الصحة، طوال السنوات الإحدى عشرة الماضية، إلى نحو 70 مليار دولار، إلا أن الكثير من المرضى الفقراء والبسطاء، صاروا يفضلون البقاء في بيوتهم وانتظار الموت على أن يقصدوا المستشفيات الحكومية التي يعشعش فيها الفساد والإهمال. إذ يكشف تقرير للبنك الدولي، أن حوالي 20% من نفقات الجزائر على القطاع تضيع بسبب سوء التسيير والفساد... أمّا المستشفيات الخاصة التي تقدم خدمات أفضل فتكلفتها الباهظة تغني حتى عن التفكير في زيارتها.
حالة مصطفى الذي فقد والده في أحد مستشفيات المدن الداخلية للبلاد بسبب الإهمال الطبي، تلخص هذا الواقع. يؤكد مصطفى لـ "العربي الجديد"، أنه كان بالإمكان إنقاذ حياة والده، لو لقي الاهتمام اللائق به في هذا المستشفى. مضيفاً أن "والده معسور الحال أجرى عملية جراحية لانتزاع ورم سرطاني من القولون، وكان يطلب منه، قبلها وفي كل مرة، إجراء الأشعة والتحاليل الطبية اللازمة للعملية لدى الجهات الخاصة، على الرغم من توفرها في المستشفى".
ويقول مصطفى، بحسرة: "تمنيت لو أن أبي مات في فراش بيته، ولم يزر هذا المستشفى إطلاقاً، فالتداوي بالأعشاب الطبية في البيت كان سيكون أفيد".
وللوقوف على ملابسات القضية عن كثب زارت "العربي الجديد" مصلحة أمراض السرطان "بيار وماري كيير" في المستشفى الحكومي "مصطفى باشا" في العاصمة، ليتبين أنها تجمع بين سوء التسيير والمحسوبية، في ظل توافد المرضى عليها من كل أرجاء البلاد. ففي أحسن الأحوال يحصل المريض على موعد للتداوي بالعلاج الإشعاعي بعد خمسة أشهر على الأقل، وقد تصل المدة أحياناً إلى سنة. سعيد الحظ من المرضى هو الذي له معارف في المصلحة، لكنه يعود ليعاني لاحقاً من "ندرة الأدوية والأطباء المعالجين".
اللجوء إلى القطاع الخاص
لا يندر، وأنت داخل المصلحة، أن تسمع قريب أحد المرضى يسبّ بأعلى صوته كل مسؤول عن الصحة في هذا المستشفى وفي البلاد عامة، وذلك بعد أن رفض مسؤولو مصلحة "بيار وماري كيير" استقباله. وقد أسرّ أحد المواطنين لـ "العربي الجديد" بأن الأطباء الجراحين يماطلون في العلاج، كي يدفعوا المرضى إلى اللجوء إلى القطاع الخاص الذي يشتغل فيه غالبية الأطباء المختصين، حتى أن منهم من يهرب الأدوية إلى المستشفيات الخاصة، تحت شعار: المرض للجميع والصحة لمن يدفع أكثر".
ويردّ رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، الدكتور محمد بقاط بركاني، الحالة التي يعيشها القطاع الصحي في الجزائر إلى أن وزير الصحة لا يصمد في منصبه أكثر من سنتين ونصف في المتوسط، بالإضافة إلى كون غالبية هؤلاء الوزراء ليسوا متخصصين في الصحة. ويلفت بركاني لـ "العربي الجديد" إلى أن هناك سبباً آخر لذلك، وهو ازدواجية عمل الأطباء المختصين بين القطاعين العام والخاص، الأمر الذي يجعلهم يهملون القطاع العام بالنظر إلى الربح المادي الذي يجنونه في القطاع الخاص.
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي مقدم عبيرات أن أهم أسباب تردي خدمات القطاع الصحي في الجزائر يتمثل في تركز أغلب اختصاصات الأمراض المستعصية في المدن الكبرى شمال البلاد، فضلاً عن هجرة الأطباء المتخصصين بقية المدن، لعدم توفر الإمكانات الطبية فيها وانعدام التجهيزات الطبية بالمطلق أحياناً.