حاول قادة ورؤساء حكومات دول الاتحاد الأوروبي، خلال 72 ساعة من مفاوضات شاقة، منذ ما قبل ظهر الجمعة الماضية، التوصل إلى تسويات وحلول مرضية للأطراف كافة؛ فليست الخلافات فقط بشأن "خطة الإنعاش"، وكيفية توزيع ما يصل إلى 750 مليار يورو، بين منح وقروض، بل هناك تحديات تتعلق بـ"انحراف بعض الدول" عن القيم التي يقوم عليها النادي الذي يجمعهم في عاصمته بروكسل، وبالأخص سياسات المجر وبولندا.
وخطة الإنعاش التي يريد الأوروبيون منها أن تساهم في تحريك عجلة اقتصاديات القارة ليست مفصولة عن السياسة وتنافر الأيديولوجيات، إذ يبرز يمين قومي متعصب ومعسكر ليبرالي ويسار وسط في مواجهته.
عدم حسم الأمور، وفقاً لتصريحات رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، اضطرت القادة إلى البقاء في قمتهم حتى اليوم الاثنين، على أن تبدأ المفاوضات مجدداً الساعة الرابعة من عصر اليوم.
وعلى مدى يومين ماضيين بقيت الخلافات عميقة بين القادة، المجتمعين للمرة الأولى منذ انتشار وباء كورونا قبل أشهر في قارتهم. وحملت المفاوضات صبغة تراشق سياسي خلفه رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، حين واجه رئيسة وزراء الدنمارك، ميتا فريدركسن (يسار وسط)، المصرة مع السويد وهولندا على أن "أوروبا لا يجب أن تدخل في تسويات وتنازلات بشأن القيم الأوروبية".
لعل أقرب وصف لما يجري بين الأوروبيين اليوم في بروكسل ما ذهب إليه رئيس وزراء لوكسمبورغ، خافيير بيتل، بقوله: "خلال السنوات السبع من ترؤسي للحكومة لم أرَ أصعب من هذه المفاوضات"
فقصة منح 500 مليار يورو للدول المتضررة من الجائحة، واحتساب الـ250 ملياراً الأخرى كقروض، باتت ورقة تفاوض جدي تثير شهية بعض رؤساء الحكومات، ممن لا يروقون كثيراً الدول الإسكندنافية، كفيكتور أوربان ورئيس بولندا أندريه دودا.
ويبرز مجدداً موقف دول "مجموعة التقشف"، السويد والدنمارك وهولندا والنمسا، معارضاً لقضية المنح بدون استرجاعها، وخصوصاً أن تلك المجموعة (وبالأخص استوكهولم وكوبنهاغن) لا ترى نفسها ملزمة بدعم حكومات لا تتقيد بمكافحة الفساد وفصل السلطات واحترام القيم الديمقراطية، وضرب عرض الحائط بالقيم الأوروبية.
وبرزت ميتا فريدركسن، مدعومة بمواقف حزبية وشعبية في بلدها، متصدية للمشروع الذي أطلقه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ومطالبة بأن تكون الـ 500 مليار يورو "مزيجاً من القروض والمنح كحل وسط"، بحسب ما نقل عنها التلفزيون الدنماركي في ساعة متأخرة من ليل أمس الأحد.
وغير بعيد عن ذلك، أوضح المستشار النمساوي، سبستيان كورتز، فجر اليوم، في تغريدة على صفحته الرسمية، أن "المفاوضات شاقة، لكن حتى الآن راضون بما حققناه". ومن جانبه، ذهب رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، صباح اليوم الاثنين، إلى التفاؤل بتحقيق تقدم في المفاوضات، مؤكداً في الوقت ذاته أن "مخاطر انهيار المفاوضات أمر وارد".
Premier Rutte over #EUtop en de irritaties en woede van andere leiders, zoals van #Macron, #Orban, #Conte: “Kan me niet zoveel schelen." Rutte wordt ‘Mr. Nee, Nee, Nee' genoemd. "Ik laat me niet afleiden door achtergrondruis." En: "Ik knok voor NLers en een sterk Europa." #EUCO pic.twitter.com/KfEqUtyNtS
— Fons Lambie (@fonslambie) July 20, 2020
ورغم شعور دول كإسبانيا وإيطاليا وفرنسا بالحاجة الماسة والمستعجلة إلى خطة الإنعاش، لكونها الأكثر تضرراً من كورونا، فإن "فيتو" المجري فيكتور أوربان هو ما يثير حنق الإسكندينافيين. فوصف الرئيس المجري بـ"الدكتاتور" كان لافتاً في مؤسسة صحافية عريقة مثل "بيرلنغكسا" الليبرالية المساندة لموقف فريدركسن ورئيس وزراء السويد، ستيفان لوفين، في فتح ملف التزام القيم الديمقراطية الأوروبية. فأوربان ورئيس بولندا لم تجرِ معاقبتهما بوقف حق التصويت لبلديهما، واستعيض عن ذلك بتهديدات فرض عقوبات اقتصادية على البلدين، في جلسات التفاوض التي كان يفترض أن تنتهي أول من أمس السبت.
ولعل أقرب وصف لما يجري بين الأوروبيين اليوم في بروكسل، ما ذهب إليه رئيس وزراء لوكسمبورغ، خافيير بيتل، بقوله: "خلال السنوات السبع من ترؤسي للحكومة، لم أرَ أصعب من هذه المفاوضات". ونقلت "يورو نيوز"، صباح اليوم، عن بيتل قوله أن تضارب المصالح الحاصل الآن لم نشهده سابقاً.
وفي كل الأحوال، سيعاود الأوروبيون بعد عصر اليوم لملمة خلافاتهم، في رابع يوم قمة، وسط نفور واضح يصل إلى حد التعبير عن غضب من رئيس الوزراء المجري، أوربان، في طرح أسئلة أمام الصحافة عن "كراهية" ضد "المجر"، فيما أطراف الجانب الآخر تتحدث عن أنه "لا مساومة على القيم التي قام عليها الاتحاد الأوروبي"، من استوكهولم إلى أمستردام.