يعيش الناس، يسعدون، يشقون، يفرحون ويحزنون، وبين فترة وفترة يموت بعضهم ويزداد بعضهم، الكل يعيش في منزله مستقلا بشؤونه، ومتواصلاً مع غيره في حدود المصالح الضرورية.
في مقهى جلست على مقعد.. أمامي كأس قهوة بلا سكر، أتامل هذا السيل الجارف من الناس يعبرون الطريق، يذهبون، يؤوبون، البعض مسمر العينين في محموله، البعض يتحدث مع مجهول عبر سماعة بأذنه.
تعشعش التفاهة في الأذهان وتجر وراءها الجحافل تلو الجحافل، وفي كلّ وقت وحين، تزداد في زمن تعدّدت فيه نوافذ النشر والتواصل، نوافذ منحت للتفاهة حصتها في الإطلالة على جماهير واسعة، منها الصغار والشباب والكبار الإناث والذكور، المثقفون والجهلة...
صار المحمول سيد التواصل، فغيّبنا التواصل المباشر، أي التواصل البشري الودّي، حيث يجمعنا المكان والزمان والموضوع وجهاً لوجه، فأفقدنا المحمول الكفاءة والقدرة في مهارات التواصل، مما أبعد الكثيرين من مستعمليه من عقد الأواصر الاجتماعية المباشرة مع غيرهم.
شاخصاً ينتابه الخوف مثل الخائفين ينتظرون الولوج لغرفة تبدو شاسعة تَــسَع الخمسين والستين، وحين سيلج معهم سيبدو مثلهم في كل المواصفات، وحيداً تطير به الذاكرة إلى ليلة أمس: أم مشتومة موبَّخة ملْكومة لمجرد طلبها سكراً.
حاول أن تربي في نفسك نهم القراءة، فحين نقرأ نتخيل ما تشير إليه العبارات، وفي ذلك مستوى من مستويات التنمية الخيالية. حاول أن تنطلق من حدث أو أحداث، فتضيف إليها ما يجعلها تمتد نحو نتيجة معينة، وهنا مفتاح التخيل.
المبدع الحقيقي مبدع بفطرته وبميولاته القوية نحو الإنتاج الفني. فكما يحتاج إلى خبز وماء كي يظل على قيد الحياة، يحتاج إلى جرعات إبداعية متلاحقة متصلة أو منفصلة. المهم أنه يظل متشبثا بهذا الإبداع تشبثه بثوبه الذي يستر عورته.
المبدع مختلف عن غيره، وهذا الاختلاف ذاته هو الذي وهبه صفة "مبدع"، فلو كان عاديا مثل الآخرين لكان عاديا مثلهم ولن يكون مبدعا، فالاختلاف يأتي به المبدع، والإبداع هو الإنتاج الفني المغاير للمعتاد والمعهود.
الراعي الذي عَلَّم قطيعه كي ينقاد له بمجر صفير، أو كلمة واحدة مبدع، القاضي الذي يطرح الأسئلة التي يربك الظالم فيبوح بجرمه ويقر بباطله مبدع. والتاجر الذي يعرف كيف يرسم ابتسامة الاستقبال والمودة على محياه وهو يواجه الزبائن مبدع...
الإبداع موهبة وتدرّب وتمرّن وممارسة قبل أن يصير منتجاً قابلاً للاستهلاك من قبل الجماهير. كما أنّ الإبداع طقس يرافق المبدع في حياته، يتحمّل سطوته بلذة تحوله إلى مادة يدمن تعاطيها ليصير مصدر نشوته، متجاوزاً بذلك طلب الشهرة وذيوع الصيت.