أحداث بسيطة من أيام رضوى (4)
تتساءل رضوى دائما عن إمكانية بنائها عشا بنفسها تستطيع الفراخ العيش فيه دون أن تعيد ترتيبه. هي لم تستطع فعل شيء منذ رأت السنونو يطير قرب نافذتها، وأرادت بكل رغبتها الطفولية بناء عش سنونو تحت نافذتها، كما رأته في فيلم كارتوني عن سنونو يكسر ساقه، فتساعده امرأة فقيرة، فيمنحها بذرة ذهبية تجعلها غنية هي وعائلتها.
لذلك خرجت قبيل أذان المغرب وجمعت العديد من الأغصان القاسية والقصيرة وألصقتها بغراء الأحذية.
انتهت من صنع العش وألصقته بالجدار بعد عشر محاولات سقط فيها كلما نزلت عن السلم، فقررت إضافة أعمدة خشبية بين العش ونافذة المطبخ الذي يقع في الطابق الأرضي. وحين تأكدت من أنه لن يسقط مرة أخرى، أعدت الجزء الناعم من العش الذي يتكون من أعشاب ذابلة وريش حمام ودجاج استلمته من ابن الجيران الذين يربون الحيوانات على سطحهم، وانتظرت أن يسكن السنونو العش.
مر أسبوع والعش لا يزال خاليا، كانت تتفقده كل مساء من نافذة غرفتها، كانت تميل بمعظم جسدها للخارج كي تستطيع الرؤية، حتى كادت تسقط ذات مرة
ذاك المساء سألت والدتها:
- أمي، ماذا كنت ستختارين لو أردت أن تكوني كائنا آخر؟
- من بين الحيوانات؟
- لا، بل كل الكائنات الأخرى.
صمتت الأم وفكرت مليا قبل أن تقول: غالبا سأرغب في أن أكون حجرا.
كانت المفاجأة لطيفة بحيث جعلت رضوى تبتسم كما لو أنها تتنصت على حلم طفلها.
- لكن لم؟
- هكذا سأعرف الكثير، سأراقب الناس وسأكون جزءا من الكثير من الأبنية، وأحيانا جزءا من معارك بين الأطفال، أو بين الأطفال والمحتل كيفما كان شكله وأشياء أخرى، فهناك الكثير من الأشياء التي يمكن لحجر أن يساهم فيها.
شربت جرعة من الشاي وسألت رضوى كما لو أنها تذكرت شيئا فجأة:
- وأنت؟ ماذا كنت ستختارين؟
- طائر سنونو ـ لم تحتج الأم لأن تسأل ـ لأطير أولا ولأرى العالم من زوايا مختلفة، ولكي أحط فوقك حين تكونين حجرا.
وضحكتا معا.
مر أسبوع والعش لا يزال خاليا، كانت تتفقده كل مساء من نافذة غرفتها، كانت تميل بمعظم جسدها للخارج كي تستطيع الرؤية، حتى كادت تسقط ذات مرة، فصارت تربط قدمها بمقبض الباب بأي شيء تثق بسماكته قبل أن تلقي بنفسها للخارج.
بمرور الوقت تباعدت فترات التفقد إلى أن نسيته تماما قبل أن توقظ ذاكرتها أصوات فراخ غير مألوفة، ربطت قدمها بالباب من خلال ملاءة السرير -الشيء الوحيد المتين والطويل- إلى الشيء الوحيد الثابث؛ الباب. وأطلت بقفزة رمتها خارجا، وفي الوقت الفاصل بين سماع والدتها لاستغاثتها ووصول السلم إليها اكتشفت أن الفراخ هي فراخ بوم صغيرة.. لو لم تتعرف عليها، لو لم تعد الأم لتطعم الصغار..
وقبل أن تنزل كانت قد سمَّت الأم "مينيرفا" وتركت الفراخ بدون أسماء إلى أن تكبر. لاحظت والدتها:
- لن يتسنى لك الوقت لتفعلي هذا، فحين تكبر ستغادر.
- أنا لن أنتظر إلى ذلك الوقت.