أخلاق "القسّام" تتفوّق وتنتصر
لا شك أنّ عملية طوفان الأقصى حملت معها سلّة من النتائج السياسية والاستراتيجية على صعيد المنطقة عموماً، والفلسطيني خصوصاً، وأعادت طرح القضية الفلسطينية كأولوية في الساحة العربية والغربية أيضاً، ومن الطبيعي أن تبدأ معالم نتائجها بالظهور في الأيام أو الأشهر المقبلة، خصوصاً إذا ما مُدِّدَت الهدنة الإنسانية بين حركة حماس والقوات الإسرائيلية.
ولكن بعيداً عن كلّ المعادلات والتوازنات التي لها علاقة بالسياسة والعسكر، والتي تكتسب أهمية كبرى في ظلّ المتغيّرات الإقليمية والدولية، إلّا أنّ الجانب الإنساني والأخلاقي والديني الذي أظهره عناصر كتائب الشهيد عز الدين القسّام الجناح العسكرية لحركة حماس في أثناء هذه المعركة بشكل خاص، يتطلب التوقّف والتأمّل.
فعلياً، صُنّفت حركة حماس بجناحيها العسكري والسياسي بأنّها تنظيم إرهابي متشدّد في الولايات المتحدة الأميركية في إبريل/ نيسان 1993، وتبعتها بعض الدول الأوروبية تباعاً، وصولاً إلى تصنيف الحركة إرهابية من قبل بعض الدول العربية، وخصوصاً الخليجية منذ عام 2018، من دون تحديد مفهوم "الإرهاب"، ولا حتى مفهوم "التشدّد الديني"، مقابل التركيز الدائم على الانفتاح الإسرائيلي والديمقراطية الإسرائيلية، والتزام الحكومة الإسرائيلية المعايير الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان، بالرغم من كلّ الجرائم والعدوان المستمر على الشعب الفلسطيني منذ سنوات.
ولكن ما حصل خلال عملية "طوفان الأقصى" قلب الموازين وغيّر المعادلات الإنسانية، ودحض كلّ الافتراءات والأكاذيب بل بيّن حقيقة الإجرام الإسرائيلي، مقابل الأخلاق القسّامية الرفيعة التي تُعطي الصورة الواضحة للإسلام.
أسقطت صفقة تبادل الأسرى التي أنتجتها معركة "طوفان الأقصى" الأقنعة، وكشفت كل الحقائق
أسقطت صفقة تبادل الأسرى التي أنتجتها معركة "طوفان الأقصى" الأقنعة، وكشفت كلّ الحقائق، حيث شاهدنا حالة الأسرى المحرّرين من سجون الاحتلال الإسرائيلي المزرية، وأوضاعهم الصعبة وهم من النساء والأطفال، وسمعنا شهاداتهم، عن الأحوال السيئة داخل السجون وأشكال التعذيب التي يتعرضون لها، إذ تقول إحدى الأسيرات المحرّرات: "شهدنا مرحلة سيئة داخل السجن من قمع وتجويع وفرض اكتظاظ كبير وضرب وتنكيل، وعانينا الكثير بسبب ظروف الاعتقال غير الإنسانية".
في المقابل، خرج المحتجزون لدى كتائب القسّام بأجمل الحالات وأبهى الصور، ولاحظنا العلاقة الوطيدة بين المحتَجَز والمحتَجِز، وشاهدنا لحظات الوداع الهادئة بين الطرفين، والابتسامات المرسومة على وجوه الأطفال والنساء، كذلك سمعنا شهادات حيّة من بعض المحتجزين عن حسن معاملة عناصر القسّام لهم، والاهتمام بهم وتقديم كلّ ما يحتاجونه رغم الظروف الميدانية الصعبة والحصار الذي يعيشه القطاع طوال فترة العدوان. وتقول إحدى المحتجزات: "كتائب القسام تعاملوا معنا بشكل إنساني، ولم يعذبونا، أو يحققوا معنا، ولم يصرخوا أو يعتدوا علينا، وقدموا لنا الشراب والطعام والدواء"، وتروي مستوطنة إسرائيلية كيف رفض مقاتلو المقاومة الفلسطينية إيذاءها برفقة أولادها خلال عملية طوفان الأقصى، وتقول روتم (وهي أم لطفلين) للقناة الـ12 الإسرائيلية عن لحظة اقتحام مقاتلي كتائب القسّام بيتها خلال العملية الأخيرة: "بعد أن دخلوا قلت لهم باللغة الإنكليزية: لدي ولدان، معي أطفال، وردّوا عليّ بالقول: نحن مسلمون لن نؤذيكم"، وتضيف: "هذا فاجأني وطمأنني أيضاً".
إنّ فشل إسرائيل في الترويج لدعايتها الكاذبة قابله نجاح إعلاميّ وإنسانيّ جليّ لحركة حماس، وهي التي أظهرت صورًا تظهر ضحكات الأسرى لديها، ولعبهم وأكلهم وراحتهم...
وبالتالي، فإنّ ما قامت به عناصر كتائب القسّام خلال عملية التسليم، وشكل العلاقة الودودة مع المحتجزين، وحال الرهائن بعد أكثر من ٥٠ يوماً على المعركة والعدوان الوحشي على القطاع، يؤكد أخلاق هؤلاء العناصر الرحيمة التي تقوم على المودّة والرحمة، وحسن معاملتهم مع الطرف الآخر بالرغم من أنّهم أسرى، عملاً بتوصية النبي الكريم، صلّى الله عليه وسلم: "استوصوا بالأسارى خيراً"، ويدحض كلّ الفرضيات والاتهامات بأنّ تكون حركة حماس إرهابية (سواء أكنت تتفق معها أم لا). وهنا نتساءل: هل رأيت سجينًا يودّع سجانه؟ هل رأيت سجّاناً يعامل سجناءه معاملة الضيف والصديق؟ هذه الصور ستبقى شاهدة على عدالة القضية وأخلاق صاحب الأرض، هذه الصور ستبقى خالدة في أذهان كلّ العالم.
وإنه لمن السخرية الواضحة أن تتحدّث إسرائيل عن إجرام مقاتلي حماس وعن قطعهم لرؤوس الأطفال بلا رحمة، وهو ما كذّبه لاحقًا البيت الأبيض بحدّ ذاته وكذّبته الصور ومقاطع الفيديو التي سرّبها الإعلام العسكري للحركة بشكل متتابع. إنّ فشل إسرائيل في الترويج لدعايتها الكاذبة قابله نجاح إعلاميّ وإنسانيّ جليّ لحركة حماس، وهي التي أظهرت صورًا تظهر ضحكات الأسرى لديها، ولعبهم وأكلهم وراحتهم، إلخ.
حقيقة، لقد فقدت إسرائيل زمام الأمور، ولم يعد كذبها ينطلي حتى على جمهورها وحلفائها، وهذا يحسب خسارةً لها في المعركة الإعلامية وفي معركة الرواية، إذا أغفلنا الحديث عن خسارتها العسكرية والاستخباراتية والأمنية، ويعدّ انتصاراً وتفوّقاً أخلاقياً وإعلامياً لكتائب القسام، التي جدّدت التأكيد للعالم أجمع أنّ الإسلام دين المودّة والرحمة، دين الأخلاق والمعاملة الحسنة، حيث أثبت القسّاميون أنّهم أكثر المقاتلين إيماناً ونبلاً على مرّ التاريخ، وأنّ معركتهم ليست مع الأطفال والنساء، بل مع كيان محتل ومغتصب.