الأعياد الجميلة
تمر البلاد بأزمة اقتصادية خانقة، والبيوت تكاد تكون فارغة من المؤون، خاصة بعد الاستهلاك الواسع للأطعمة في شهر رمضان، لكنّ السوريين مصرون على ممارسة طقوس العيد مهما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
في قلب الازدحام المروري تضطر السيارات إلى التوقف، يستغلها السائقون لتبادل التهاني بالقبلات والأمنيات السعيدة والحميمة، مباركات تغمر الركاب بألفة طاغية، إذن ما زال هناك متسع من المودة في هذه البلاد القاسية!
على المقاعد تتوزع الأسر بترتيب وتناسق كبيرين، وقد يجلس خمسة أشخاص في مقعد معد لثلاثة فقط، اعتاد السوريون على الجلوس وترتيب بعضهم بعضاً في أكثر الأماكن ضيقاً توفيراً للنقود، خاصة بعد ارتفاع بدلات النقل ولأنهم اعتادوا الأماكن المزدحمة والضيقة بعد هجرانهم لبيوتهم التي تهدمت، وبات طبيعياً أن تعيش أكثر من عائلة في بيت واحد، لكن مشهد العائلات مختلف اليوم، مشهد ضاحك، جميل وأنيق رغم كل الضيق.
في منطقة تتوسط قلب مدينة دمشق يتجمع الناس للدخول إلى حديقة الحيوان التي فتحت أبوابها في أيام عيد الفطر فقط، مع أن الافتتاح الرسمي مؤجل حتى عيد الأضحى، خلال اليوم الأول للعيد بلغ عدد زوار حديقة الحيوانات ستة آلاف زائر، وصورة احتشاد العائلات بانتظار الدخول مترافقاً مع الطبيعة الجغرافية للمكان الذي يزخر بأشجار الحور والمشمش والتوت يجعل المشهد العام مفرحاً ومانحاً الدعة والسكينة، لقد اجتمع الربيع مع مناسبة العيد ليمنحا للبشر مساحات أوسع للاحتفال وللانطلاق نحو آمال أوسع بالأمان والاستقرار والبحبوحة أيضاً.
تبادل الأطفال إطلاق الرصاص البلاستيك كما دارت رحى المعارك الخلبية تأثراً بمناخ الحرب
يتداول السوريون حكايات البحث عن كعك العيد وحلوياته التي تفرزها الأمهات إلى ثلاثة أقسام، قسم للضيوف وللإهداء للجيران والأقارب ولو بكميات قليلة، وجزء للأب والأقارب يتناولونه داخل المنزل والجزء الأخير وهو القسم الأكثر خراباً أو ربما يكون محترقاً أو مفتتتاً يتم إجبار الأبناء على تناوله، لكن الأبناء لا يرضون بتلك القسمة الجائرة ويواصلون البحث عن الكعك الجيد والمتماسك أثناء غياب الأهل لقضاء واجب المعايدة، ولا بد من ذكر أن رائحة المعمول والحلويات حين تفوح تحرض الشهية المتعلقة بتلك الأنواع تحديداً لأن الجميع يعرف مذاقها الأصلي، ومع ارتفاع كلفة إنتاج المعمول والحلويات المنزلية تراجعت كثيراً الكمية المصنوعة في البيوت، لكنها بقيت الأشهى والأكثر ارتباطاً بمعنى العيد.
حفلت ساحات بعض الأحياء بالمراجيح والقلابات وألعاب الأطفال، وقد توافدت أعداد كبيرة من الأطفال وأهاليهم إليها، واللافت أن الأغنية التقليدية التي كانت ترافق اهتزاز المراجيح (يا ولاد محارب) قد اختفت تماماً هذا العام، واستُبدلت بإحدى أغنيات مسلسل رمضاني حاز انتشاراً ومشاهدة واسعة، مما يعكس التأثير الكبير للدراما الرمضانية ويعبر عن أن طبيعة التراجع غير الشكلي غالباً ما تمس التراث الشفهي المجتمعي وهذا مؤشر خطير و في الوقت نفسه لا يمكن الثبات على أي شكل، خاصة لأن الدراما تسيطر بشدة وتجرف معها الكثير من الإرث الشفهي الشعبي المتداول.
وأما عن ألعاب العيد فقد حازت الأسلحة البلاستيكية الريادة، وتبادل الأطفال إطلاق الرصاص البلاستيك كما دارت رحى المعارك الخلبية تأثراً بمناخ الحرب وترسيخاً لفكرة أن تعميم فرض القوة يكون حصرياً عبر انتشار السلاح وسطوته.
تبقى ملابس العيد وإن كانت مدوّرة من إخوة أكبر أو ممنوحة من أقارب أو جمعيات، تبقى هي المظهر الأكثر احتفالية مع اللمسات الحنونة والأنيقة للأمهات في إظهار الملابس على أحسن شكل ممكن، وفي التفنن في ربطات شعر البنات، وعبر لمسات المكياج الخفيفة وأحياناً المبالغ بها على عيون النساء ووجناتهنّ لتعكس معنى احتفالياً ساطعاً ومبهجاً للعيد الذي ينتظره السوريون دوماً! ليس من أجل فرح كامل ومفقود، بل من أجل كسر هيمنة الحزن والتخفيف من شدة الضغوط في كل أشكالها ومناحيها.