الاقتصاد البنفسجي ووسائل تطبيقه في المجتمع العربي
يعدّ الاقتصاد علمًا قابلًا للتطوّر، والتأقلم مع كافة المتغيّرات، ومساهمًا مباشرًا في ازدهار المجتمعات؛ لهذا يُصنّف نجاح الدول وفق معدّل النمو الاقتصادي، ومعيار التنمية الاقتصادية فيها، كما أن علم الاقتصاد قادر على التكامل مع جميع العلوم، ومجالات المعرفة الإنسانية، فنجدُ أنهُ يحتوي في طياته على أجزاء من كل علم أو مجال فكري، ومن هذا المنطلق تظهر كل فترةٍ مفاهيم اقتصادية حديثة، لم تكن معروفة في السابق، ولم تُذكر في دراسات المدارس الاقتصادية الكلاسيكية، ولكن ساهم ظهورها في زيادة امتداد فروع الاقتصاد وتنوّعها، وغالبًا تنتجُ عن الاهتمام بمُعضلات أو قضايا معينة، ومن أحدثها نسبيًا ما يُعرف باسم الاقتصاد البنفسجي.
تعودُ جذور الاقتصاد البنفسجي إلى عام 2011، فانبثق من إحدى الجمعيات الفرنسية المهتمة بالتنمية الاقتصادية المستدامة، ونُشِرَتْ تفاصيلهُ عبر واحدة من الصحف، بعد انعقاد المؤتمر الأوّل للاقتصاد البنفسجي، والذي وجدَ دعمًا عالميًا ملحوظًا من قبل هيئات ومنظمات دولية، ثم عُقِدَتْ منتديات لاحقة اهتمت بهذا الفرع الحديث من علم الاقتصاد، أما فكرتهُ الرئيسة فتتمحورُ حول تقدير دور الجانب الثقافي في التنمية الاقتصادية المستدامة، والاقتصاد عمومًا، ومن هنا يمكن القول إن مفهوم الاقتصاد البنفسجي يشيرُ إلى الجمع بين الثقافة من جهة، والفكر الاقتصادي من جهة أخرى، أو بصورة أدق الاهتمام بالجانب الثقافي في علم الاقتصاد؛ من أجل منحه صفة إنسانية في ظل تأثير العولمة في مختلف القطاعات الحيوية، والتي يُعدُّ الاقتصاد واحدًا منها، بل قد يكون أهمها.
إن رهانَ نجاح تجربة الاقتصاد البنفسجي ووسائله في المجتمع العربي، يكون من خلال توفير كافة الإمكانات المساندة لهُ، وإيجاد بيئة تساعدُ المُنشآت الناشئة في ظلِهِ
وسعت الدول المهتمة بالتنمية الاقتصادية إلى تعزيز مساهمة الاقتصاد البنفسجي في اقتصاداتها؛ بسبب دوره المهم والمؤثّر في الوعي الثقافي لدى النّاس؛ حيث يمنح كل خدمة وسلعة أهمية وقيمة، بغض النظر عن طبيعتها أو الغرض من وجودها، فيحرصُ على توجيه عجلة الإنتاج، والمنصات الخدمية نحو تقديم سلع وخدمات متوافقة مع النمط الثقافي السائد في كل مجتمع، وهكذا استطاع هذا الفرع الاقتصادي المستحدث أن يبنيَ تأثيرهُ الخاص في الصناعات والخدمات المختلفة؛ تحديدًا الحديثة وغير المعروفة على نطاقٍ واسع؛ بهدف جعل المجتمعات أكثر قبولًا للتنوّع المستمد من العولمة وآثارها.
واهتمت كثير من الدول العربية بفكرة الاقتصاد البنفسجي؛ كأداةٍ تُمكِّنُها من الحفاظ على التنمية الاقتصادية ضمن مستويات مناسبة، ولكن يجب على أي دولة تريد تطبيق هذا النوع من الاقتصاد إدراك وسائله، وكيفية تنفيذها بما يُلائم المعطيات المتاحة لديها، وتُقسم هذه الوسائل وفق المنظمات العالمية التي تبنت الاقتصاد البنفسجي إلى فئتين، الفئة الأولى؛ المهن البنفسجية، وتُعرّف بأنها كل مهنة قادرة على التكيف مع الثقافة الاجتماعية السائدة في المجتمع؛ كتشجيع عودة انتشار الصناعات التراثية القديمة؛ لتُشكّل داعمًا يدعمُ القطاع الاقتصادي، أما الفئة الثانية؛ فهي الأعمال البنفسجية، وتعني دعم كل منشأة أو عمل اجتماعي يهتم برعاية الثقافة، ويُحوّلها إلى موردٍ داعم للاقتصاد، مثل إنشاء المتاحف، وإقامة المعارض الداعمة للجانب الثقافي المجتمعي.
لا يؤدي وحدهُ إدراك وسائل تطبيق الاقتصاد البنفسجي، إلى دعم التنمية الاقتصادية في كل دولة، بل من الضروري أيضًا وجود مجموعة ركائز يقفُ عليها هذا الاقتصاد، ومنها تأسيس بنية تحتية داعمة للأعمال الاجتماعية العامة، كاستمرار تقديم الرعاية الصحية المجانية للمرضى وكبار السن والأطفال، وتحقيق التوازن بين طبيعة الأعمال والمهن، ومتطلبات الحياة الشخصية للأفراد العاملين، وتقليل القيود المفروضة من الاقتصاد الكلي على الإنتاج، والتبادل التجاري، وفتح المجال أمام توفير فرص عمل كافية، تتناسب مع الحاجات الاقتصادية الفعلية في سوق العمل.
إن رهانَ نجاح تجربة الاقتصاد البنفسجي ووسائله في المجتمع العربي، يكون من خلال توفير كافة الإمكانات المساندة لهُ، وإيجاد بيئة تساعدُ المُنشآت الناشئة في ظلِهِ، على الاستفادة من جميع الفرص المتاحة لدخول الأسواق؛ عن طريق اعتمادها على دورِهِ في تثمين ما تُقدمهُ، ودعم تكيف النّاس معه، فالاقتصاد البنفسجي يستندُ مباشرة إلى الثقافة المجتمعية، وكل منتج يتفق مع ثقافة المجتمع التي تتضمن العادات، والتقاليد، والقيم من المُؤكّد سيحقق النجاح، طالما يلبي حاجات ورغبات الأفراد، وهكذا يساهمُ التطبيق الصحيح؛ لهذا الاقتصاد في زيادة مصادر الدخل العام، والنمو الاقتصادي لكل دولة، والذي يدعم التنمية المستدامة على المدى البعيد.