هل ستنجح معالجة الهدر التعليمي؟
تتجه معظم دول العالم إلى إعادة تعلم الطلاب داخل المدارس؛ بسبب المخاطر المترتبة على انقطاعهم عن التعليم خلال فترة كورونا، ولكن لن تكون هذه العودة تقليدية أو تشبه الأعوام الدراسية العادية قبل انتشار الجائحة، بل محاطة بمجموعة من المحاذير، وشروط السلامة الصحية، التي تضمن استمرار التعليم؛ حتى لو بصورة جزئية، بدلاً من توقفه كلياً مرة أخرى، والبدء من جديد، والذي يعرقل أي خطوة منتظرة نحو الأمام في سبيل انتظام الدراسة المدرسية، ومن هذا المنطلق باشرت الهيئات التعليمية إعداد خطط العودة، الممهدة باتجاه طريق التعليم الوجاهي؛ ليعيد مجريات التعلم إلى مسارها الصحيح، وفي المقابل تظهر قضية تعليمية ليست جديدة، بل أعادتها كورونا إلى واجهة قضايا التعليم، وتحتاج إلى علاج فوري، وهي قضية الهدر التعليمي.
لا يعد الهدر التعليمي معضلة حديثة، بل مشكلة قديمة، كانت محصورة بأسباب معينة ومحددة، إلى أن جاءت جائحة كورونا، التي أصبحت في هذا العصر، المسبب الأول لهدر وفقدان التعلم، بعد أن أوقفت التعليم، وأجبرت الطلاب على الانقطاع عن مدارسهم، كإجراء من بين الإجراءات الاحترازية الصحية والاجتماعية العالمية؛ لمواجهة تأثير الفيروس، وقد يكون مصطلح الهدر التعليمي مجهولا لدى الكثيرين؛ لأنه لم يستخدم سابقاً على نطاق واسع أو متداول إعلاميا، واقتصر استخدامه على الأدبيات التعليمية، وبين العاملين في مجال التعليم، ويشير مفهوم الهدر التعليمي إلى عدم القدرة على تحقيق نتاجات التعلم لدى الطلاب؛ بسبب وجود معيقات وتحديات، مع توفر الموارد البشرية، والوقت اللازم، والجهد الكافي للتدريس، وهكذا باتت الدول تهتم بمعالجة هذه القضية؛ حتى لا يستمر تأثيرها السلبي في أجيال من الطلاب.
لا شك بأن الهدر التعليمي يحتاج إلى وقت طويل؛ حتى يعالج بصورة كاملة، ومن المؤكد ستنجح مواجهته، عندما تطبق خطة العودة العلاجية للتعليم وفق معاييرها الصحيحة
يؤدي الهدر التعليمي إلى أضرار جمة على المدى البعيد، سواء لدى الطلاب بصفتهم نقطة أساس التعلم، أو البيئة التعليمية عامة؛ حيث ينتج عنه صعوبة في تدارك المفاهيم الأساسية، وأهداف المناهج الدراسية، التي يجب أن يتمكن الطلاب منها، ويتقنوا مهاراتها ومتطلباتها؛ لينتقلوا من مرحلة دراسية إلى أخرى، كما تنتج عنه فجوة في التعلم النظري والتطبيقي، وإهدار للموارد المالية والبشرية؛ بسبب عدم توظيفها ضمن إطارها الصحيح، وغيرها من الأضرار التي تختلف بين الدول والمجتمعات، باختلاف الظروف والأسباب المباشرة أو غير المباشرة.
قبل أن تكون جائحة كورونا سببا للهدر التعليمي، توجد مجموعة من الأسباب المؤدية إليه، ومن أهمها ظاهرة التسرب الطلابي؛ حيث يتوقف بعض الطلاب عن التعلم في المدرسة؛ بسبب عدم اهتمام عائلاتهم بالتعليم، أو ضعف ظروفهم المادية، أو تعرضهم للتنمر والمضايقات من زملائهم، ويشكل هؤلاء الطلاب فئة لا تحصل على النتاجات التعليمية المتوافقة مع مرحلتهم العمرية عند انقطاعهم عن الدراسة، وأيضا تعاني بعض المدارس من سوء البنية التحتية، وضعف الموارد الأكاديمية المتاحة، والذي قد يعرقل تحقيق أهداف التعليم المطلوبة. وبعد تحديد أضرار وأسباب هذه القضية الخطيرة، التي تسعى الهيئات التعليمية إلى إيجاد حلول إيجابية لها، يتبادر سؤال مهم هنا؛ وهو، هل ستنجح معالجة الهدر التعليمي؟
إن الإجابة عن السؤال السابق بسيطة جداً، فمن الممكن تحقيق النجاح في معالجة الهدر التعليمي، وسد الفجوات الأكاديمية، وتعويض النتاجات المفقودة لدى الطلاب؛ بسبب انقطاعهم عن التعليم فترة زمنية طويلة؛ عن طريق تنفيذ برنامج تعويضي، ومبني بصورة أساسية على خطة علاجية شاملة، تحتوي مجموعة نقاط رئيسة، وعادة تتحقق من خلال تدريس المهارات الأساسية لكل مرحلة صفية، وتحديد مواعيد اختبارات قبلية وبعدية تشخيصية تحدد مستويات الطلاب، قبل الالتحاق في البرنامج وبعد انتهائه؛ من أجل قياس مدى تقدمهم أكاديميا، واكتسابهم المعلومات الفائتة، وتمثل نسبة الطلاب الناجحين، الذين حققوا معايير وشروط هذه الخطة، دليلا واضحا على نجاح علاج الهدر التعليمي المدرسي.
لا شك بأن الهدر التعليمي يحتاج إلى وقت طويل؛ حتى يعالج بصورة كاملة، ومن المؤكد ستنجح مواجهته، عندما تطبق خطة العودة العلاجية للتعليم وفق معاييرها الصحيحة، بالتزامن مع تحديد مؤشرات أداء واقعية، وتوظيف استراتيجيات تعلم دقيقة، تنتهي بتقويم يحدد مدى نجاح المضي في مسار المعالجة، كما يجب تعاضد جهود الأفراد من المعلمين وأولياء الأمور، وهيئات التعليم ومؤسساته، وتحملهم المسؤوليات المترتبة عليهم في التصدي المباشر لهذه القضية، وغيرها من القضايا الأخرى، التي تشكل عوائق لا بد من إزالتها؛ حتى لا تظل أحمالا ثقيلة، تثقل كاهل المسيرة التعليمية والتربوية.