الجمعيات و"سنينها"

03 مارس 2019
+ الخط -
حكاية الناس مع "الجمعيات كوم، وحكايتي أنا كوم آخر"، والخلاصة التي توصلت إليها بعد تجارب مريرة أنني بتّ أكره الجمعيات بسبب المواقف "البايخة" التي مررت بها، وما إن يفاتحني أحد في الانضمام لجمعية جديدة حتى أبادر بالرفض بصوت عالٍ وبلا تفكير، بغض النظر عن العرض المغري الذي قد أتلقاه مقابل انضمامي لأعضاء الجمعية، أو الهدف النبيل الذي من أجله سيتم تكوين الجمعية الطارئة.

والجمعية لمن لا يعرفها منتشرة على نطاق واسع في مصر، خاصة في الأوساط الشعبية وبين ربات البيوت وطبقة الموظفين في الجهاز الحكومي، كما أنها موجودة في دول عربية عدة منها اليمن والعراق والسودان وسورية وغيرها، وموجوة كذلك بين المصريين العاملين في دول الخليج، ويتغير اسم الجمعية من دولة لأخرى، فبعض الدول تسميها "المشروع" ودول أخرى تطلق عليها اسم "السلفة".

والجمعية عبارة عن مبلغ شهري يقوم بعض الأشخاص بجمعه فيما بينهم شهرياً أو لمدة محددة حسب عددهم، ويتم منح المبلغ كل شهر للشخص المستحق منهم حسب الترتيب المتفق عليه، وبنهايتها يكون كل المشاركين قد حصلوا على نفس المبلغ والذي يعادل كل ما دفعوه خلال مدة الجمعية، وتنتهي الدورة بتقاضي آخر شخص في الجمعية للمبلغ المتفق عليه.


والجمعية كذلك أشبه بالقرض الحسن (من دون فائدة) يقودها شخص "مبادر ومتحمس وأمين وله سمعة طيبة" ويتولى توزيع المبالغ التي يتم جمعها بداية كل شهر أو حسب المدة على من يصيبه الدور.

الجمعيات الجامبو
وهذه الجمعيات تختلف عن المؤسسات الخيرية التي يتم تأسيسها لأغراض اجتماعية بحتة منها تقديم يد العون والمساعدة للأشخاص المحتاجين، من خلال جمع الصدقات والزكاة والمساعدات وإعادة توزيعها على الفقراء والأرامل وكبار السن، وكذا تقديم الخدمات الصحية والتعليمية والدروس الخصوصية خاصة لقاطني المناطق الشعبية.

وبسبب أهمية الجمعيات فإنه يتم تقنينها وعمل لوائح ونظم وأعراف غير مكتوبة تنظم عملها، فهناك الجمعية المفتوحة، أي المستمرة والمتواصلة ربما لسنوات طويلة، وغالبا ما تكون هذه النوعية منتشرة في الأوساط الشعبية أو بين الأقرباء والأصدقاء لضمان عدم تهرب عضو من سداد الأموال المستحقة عليه عقب استلام أو "قبض" حصته.

وهناك الجمعيات "الدوارة" التي يتم فيها تبديل ترتيب موقع العضو في استلام الأموال التي يتم جمعها من جميع المشاركين، فالعضو الأخير في الجمعية السابقة يصبح الأول في الجمعية الجديدة، والعضو قبل الأخير يصبح الثاني وهكذا، وقد يتم ترتيب الأدوار حسب حاجة العضو للأموال، فبعضهم قد يظل في المراكز الأخيرة إذا كانت الحالة معه "مستورة"، ولا يمر بـ"زنقة" مثل فلان الذي يجب أن يظل في المراكز الأولى بسبب ظروفه المالية الصعبة.

وهناك الجمعيات "الجامبو" التي يتم من خلالها جمع مبلغ ضخم غالباً ما يوجه غالباً لتمويل مشاريع اجتماعية كبرى، مثلا الزواج أو إلحاق الابن بجامعة خاصة، أو سداد ديون متعثرة على عضو الجمعية ومستحقة لأحد البنوك، وهناك الجمعيات الطارئة أو "التيك أوي" التي يتم تكوينها لغرض محدد وطارئ، تمويل رحلة سياحية مثلا لشرم الشيخ أو حتى الإسكندرية ومرسى مطروح.

لا مكان لمتعاطي المخدرات
ولأن الجمعيات مشروع لفظي والقواعد التي تنظم عملها غير مكتوبة، لذا يتم اختيار الأعضاء المشاركين بها بعناية شديدة، فالمنضم للجمعية لا بد أن يكون حسن السير والسمعة، لا يتعاطى مخدرات، ولم يسبق له أن ماطل في سداد دين مستحق عليه خاصة لجمعيات مشابهة أو للبنوك، وهذه الصفات غير مكتوبة بالطبع، بل هي أقرب لتقليد متعارف عليه.

وأهداف الجمعيات نبيلة وراقية وهي بمثابة بديل مثالي للقروض، وتغني عن الدخول في متاهات الاقتراض من البنوك والبحث عن ضمانات، كما أنها بديل جيد لتدبير المال بعيدا عن جشع المرابين وأسعار الفائدة العالية التي يتم سدادها على القروض المصرفية، كما أن الجمعية ترقى إلى مشروع اجتماعي خيري يتم من خلاله إسعاف المدين، ومساعدة الأب في تجهيز أولاده خاصة البنات للزواج، ومساعدة الأب كذلك على سداد مصروفات أولاده الجماعية وغيرها، والأهم من ذلك أنها تحفظ كرامة الشخص المحتاج لمال، فهو في الجمعية شريك، رأسه برأس الجميع، لأنه يحصل على أموال سبق أن دفعها أو سيدفعها في وقت لاحق.

الجمعية ضاعت
أما سبب كرهي للجمعيات فهو بسبب المواقف "البايخة" والنتائج المخيبة للآمال التي مررت بها طوال أكثر من 20 عاما، وبغض النظر عن احتلالي دوما المركز الأخير في قوائم الجمعيات التي يتم تكوينها، وهو غالبا رقم 10 أو 20، أو 24 شهراً "عامين"، والحجة جاهزة وهي أن الآخرين أولى مني بالمراكز الأولى، "وخليك أنت الأخير لأنك الخير والبركة"، ولا أعرف ما الذي يعطى قائد الجمعية هذا الانطباع، هل لأنني لا أقاتل على المركز الأول، أو لأنني لم أهدد بالانسحاب من الجمعية في حال عدم حصولي على المركز الأول أو الثاني بحد أقصى، أو لأنني كنت أبدي استعدادي للانضمام لأي مشروع جمعية من دون شروط مسبقة أو تهديد بالانسحاب في أي وقت، وذلك إيمانا مني بدورها في حل المشاكل المالية.

لا يهم إن كنت الأول والأخير في الترتيب، المهم هو أن تحقق الجمعية هدفها الأساسي، ومعها أسترد ما أدفعه حتى ولو كان ترتيبي في نهاية المجموعة، لكن ذلك لم يحدث في أغلب الأحيان، فالكلمة التي تعودت أن اسمعها في نهاية كل جمعية "الجمعية ضاعت والأموال التي تم جمعها لك طارت.. ربنا يعوض عليك.. إلى اللقاء في الجمعية المقبلة".

ومن هذا العنوان الكبير تتفرع عناوين فرعية منها: "معلهش آسفين ونعتذر.. الجمعية ضاعت من الشخص الذي يقوم بجمعها، خيرها في غيرها"، أو "لص سرق الجمعية عندما كان المسؤول عنها في طريقه لتسليمها لك"، أو "لص سرق فلوس الجمعية من الشخص الذي يجمعها وهو في محطة الوقود عندما كان يمون سيارته بالبنزين"، أو"أم الشخص الذي يجمعها ماتت وصرف فلوس الجمعية".

ولذا توقفت عن الانضمام لهذه الجمعيات والمشاركة فيها مهما تكن مبرراتها السامية والنبيلة، ومهما تكن درجة الثقة في الشخص الذي أخذ المبادرة.
مصطفى عبد السلام
مصطفى عبد السلام
صحافي مصري، رئيس قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد".