الحق في الفرح
عبد الحق مفيد
اليوم توصّلت برسالة صباحية من أحد الأصدقاء، وهي عبارة عن صورة تحتوي في جانبها الأيمن على ورود بيضاء، وفي قلب الصورة كتب صديقي بخط جميل "في كلّ صباح أخبر قلبك أنه يستحق الفرح". لم أتردّد كثيراً في الإجابة، إذ قلت له "والله لقد وجدتني أتساءل من أخبرنا يوماً ما بعكس ذلك؟ ورسّخ لدينا فكرة أنّنا لا نستحق الفرح".
في الصباح، حينما أكون ذاهباً إلى العمل، أتطلع إلى وجوه الناس، أسترق النظر إلى ملامحهم، ونادراً ما أصادف وجهاً صبوحاً، أقصد وجهاً فرحاً في ملامحه وتعبيراته، فأغلب الوجوه عابسة ومهمومة.
لقد قرأت في مكان ما، أنّ أصعب فترة تواجه المكتئبين في اليوم هي فترة الصباح لما تعنيه من بداية مواجهة يوم جديد، لهذا تجد أغلب الناس يؤجلون الاستيقاظ ما أمكنهم ذلك، والذين يُفرض عليهم الاستيقاظ يكونون في حالة سيئة.
ينصح الأطباء ومنشّطو دورات التنمية البشرية الناس بالابتعاد عن تلقي الأخبار السيئة صباحاً، وهي التي تعج بها قنوات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، من احتباس حراري، وحوادث سير، وسقوط طائرات، واحتراق غابات...
لنعد إلى رسالة صديقي، والتي يمكن أن نعطيها عنوان "الحق في الفرح". وجدتني أعود إلى طفولتي المبكرة، في تلك الفترة لم نكن نملك أي شيء، وكان الحصول على أبسط الأشياء يفرحنا، مثل الحصول على لعبة جديدة أو صناعتها من لا شيء، ملاحقة فراشة أو طائر لا يقوى على الطيران، ابتسامة الأم وهي تربت على ظهرك وترضى عنك بعد أن حصلت على تنويه بالمدرسة، تسجيل هدف في مرمى الفريق الخصم، التوّصل برسالة عبر البريد قادمة من وراء البحر.
هل يكمن الفرح في الحصول على كلّ ما نبتغي، وما ليس بين أيدينا؟ أو يكمن بما نملك وما حصلنا عليه فعلاً؟
ما معنى الفرح؟ ولماذا يستعصي الحصول عليه؟ لنبدأ بالحصول على مفهومه اللغوي، وكما هو متعارف عليه. ذهبت للاستنجاد بالشبكة العنكبوتية، كما دأبت على ذلك منذ مدّة، لأجد التعريف التالي: "الفرح هو لذة في القلب لنيل المشتهى، والكلمة ترادف السرور والحبور والجذل والغبطة والبهجة والارتياح والاستبشار والاغتباط، ويقاربها الفرج، ويُستعمل في معان أحدها الْأَشَرُ وَالْبَطرُ، وعليه قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾...، والثاني الرِّضَا، وعليه قوله تعالى: ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾...، والثالث السرور، وعليه قوله تعالى: ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾...، ويُطلق على الاحتفال ببعض المناسبات الخاصة مثل: الزواج، والخطبة، والعرس. ومنه الفرائحي للغناء يغني في الأعراس".
شدّني فيما سبق كلمة "نيل المشتهى"، ونيل الشيء هو مرحلة متقدمة من الرغبة فيه والسعي إليه وإيجاد الوسائل للحصول عليه. لكن ألا تنتهي الشهوة في الشيء بمجرّد الحصول عليه. فغالباً لا يشتهي الإنسان ما يوجد بين يديه. أو ليس هذا جزءاً من مأساة الإنسان؟ لنعطي مثالاً على ذلك: كم من إنسان يكره عملاً أو منصباً وقد قضى عمراً يشتهيه ويمنّي النفس بالحصول عليه، فهل توجد حالة للفرح الدائم؟ وكيف الحصول عليها؟
لنفرض أنّ شخصاً حصل على كلّ ما يريد في الحياة، وكلّ ما اشتهى، ووصل إلى حالة أنه لم يعد يشتهي شيئاً، أو ليس ذلك مدعاة للقنوط واليأس من كلّ شيء؟
هل يكمن الفرح في الحصول على كلّ ما نبتغي، وما ليس بين أيدينا؟ أو يكمن بما نملك وما حصلنا عليه فعلاً؟
حينما نفكّر في أنّ لدينا الحق في شيء، فهذا معناه أننا فقدناه، ويجب أن نناضل من أجل استرجاعه لأنه حقنا. فمن يا ترى انتزع منّا هذا الحق، لنكون في المحصلة، غير فرحين؟