الزلزال يضرب أخلاقيات المهنة
مع كل حدث كارثي بهذا الحجم (حروب، نزاعات، انفجار، زلزال) يحصد عددا كبيرا من الضحايا، تعود نفس الإشكالية إلى الواجهة. أخلاقيات الصحافة والمعايير المهنية خاصة عندما يتعلق الأمر بنشر صور الأطفال.
مما لا شك فيه أن كل صحافي يسعى إلى جعل تغطية مثل هذه الأحداث الكبرى ضمن مسيرته المهنية، سعيًا وراء السبق الصحفي وتحقيق المزيد من الانتشار والجماهيرية. لكن هذا المسار لا يعني مطلقاً تغييب الضوابط التي تحكم المهنة، خاصة مع سيطرة الصحافة الإلكترونية على المشهد، ما يجعل الالتزام بهذه الضوابط أكثر تعقيداً.
تبدو الإجابة عن إشكالية نشر الصور والمشاهد المؤلمة صعبة، خاصة في ظل الانقسام في المدارس الإعلامية حول هذا الموضوع. المدارس الحديثة في علوم الإعلام والاتصال ترى أن الصور في عصر الإنترنت ستصل لا محالة للجمهور، "إن لم أنشر سينشر غيري، فلماذا لا أظفر بالسبق الصحفي". أما مدارس أخرى فترفض نشر صور القتلى والجثث والصور الصادمة، وتعتبره من المحرمات الصحفية.
أعاد زلزال تركيا وسورية هذا النقاش إلى الواجهة، مع انتشار كم هائل من الصور والمشاهد المروّعة التي تطرح التساؤل حول ما يمثله ذلك من انتهاك لحرمة الموت، وما يسببه من آثار سلبية على مشاعر الجمهور، وأهالي المنشور صورهم بغض النظر عن القيمة الخبرية للصورة.
لا بد من التذكير بأن الصور التي يتم بثها تترك آثارا سلبية طويلة الأمد على المجتمعات فكيف إذا كانت صور أطفال؟
لا بد من التذكير بأن الصور التي يتم بثها تترك آثارا سلبية طويلة الأمد على المجتمعات فكيف إذا كانت صور أطفال؟ كيف يمكن أن تكون ردة فعل طفل يشاهد لقطات قاسية لطفل آخر؟ ماذا لو كان ذوو أحد الأطفال في بلد آخر وشاهدوا صورة ابنهم على الشاشة؟
هذه الإشكاليات تجعل من الضروري إيجاد نقطة تلاق بين هاتين المدرستين، تحافظ على قيمة الخبر من جهة مع نشر الصور بطريقة ملائمة تحترم خصوصية الضحية وذويها وفق ما تستوجبه المعايير الأخلاقية للمهنة.
الأكيد أنه يمكن إيصال الرسالة الإعلامية من خلال النص الذي يترافق مع الصورة دون الحاجة إلى التقاط صور خادشة للضحايا عموماً وللأطفال خصوصاً، وممكن الاكتفاء بصور بعيدة أو من الخلف تفي بالغرض. هذا ما تسعى معظم القنوات الغربية إلى الالتزام به.
وقد أشارت نماذج وأحداث سابقة إلى أن نفس القناة قد تنشر بنسختها العربية صوراً لجثث وقتلى، فيما تتحفظ بنسختها الأجنبية وتلتزم بأقصى المعايير الأخلاقية للنشر من خلال استخدام التقنيات الإخراجية التي تسمح بإخفاء تفاصيل الجثة. هذا تماماً ما جسدته التغطية الإعلامية للحرب الروسية على أوكرانيا. فبالرغم من كل المجازر والخراب الذي رتبتها الحرب الروسية على أوكرانيا لم نشاهد صورا صادمة لضحايا.
بالعودة إلى تغطية الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية وبالرغم من فظاعة الصور المنتشرة، إلا أنها جسدت في كثير من الأحيان نماذج حافظت على مهنية وإنسانية الصحفيين، وتحديداً المصورين الصحفيين. نشير منها إلى مراسل إحدى القنوات التركية الذي ترك التغطية المباشرة على الهواء متجها لإنقاذ طفلة.
تقدير الموقف هنا يعود للصحفي على أرض الحدث، حيث من الضروري أن يغلّب إنسانيته ويدخل لإنقاذ الأرواح إذا تطلب الأمر ذلك. المعيار الإنساني يبقى فوق كل اعتبار. وفي مثال آخر لصورة الأب الذي يلتقط يد ابنته وهي تحت الأنقاض والتي أخذت ضجة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي يقول فيها المصور آدم التان "لقد تأثرت كثيراً في ذلك الوقت، اغرورقت عيناي بالدموع، ظللت أقول لنفسي: يا إلهي، هذا ألم لا يطاق". بالتالي لا يمكن أن يتجرد الصحفي من إنسانيته من أجل الصورة!
تبقى النقطة الأهم، أننا بتنا في عالم مفتوح ومصدر الصور لم يعد يقتصر على الصحفيين والمصورين بل أصبح بإمكان أي شخص التقاط صورة وتحميلها على وسائل التواصل الاجتماعي، لذا وفي هذا السياق وجب نشر التوعية حول هذا الموضوع بين الجمهور، لأن حصد نسبة مشاهدة عالية لم يعد حكرا على الإعلاميين، إنما للمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي دور كبير في ذلك.