السوريون في تركيا بين عنصرية المعارضة وتوابل الحكومة
ما زالت موجة العنصرية ضد اللاجئين السوريين في تركيا تتصاعد مع مؤشرات وقرائن تؤكد أن مرحلة جديدة قد دخلها استثمار مسألة اللاجئين، في إطار الاستقطاب السياسي الحاصل بين الحزب الحاكم من جهة، وأحزاب المعارضة التركية.
الجديد في الخطاب العنصري للمعارضة التركية ضد اللاجئين السوريين مقولة إن السوريين متأخرين عن الشعب التركي عشرات السنوات، والمقصود هنا مستوى الرقي والتحرر والتقدم، ومن غير المعروف أدوات القياس التي اعتمدها رئيس بلدية بولو التركية للتوصل إلى هذه النتيجة بالنظر إلى أن أحد أهم أسباب ثورة السوريين على نظام الأسد هو النهب الذي مارسه نظام الأسد بحق سورية وشعبها على امتداد أربعة عقود، وأن السوريين في سبيل تحقيق الأفضل لبلادهم ومستقبل أجيالها قدموا أكثر من نصف مليون شهيد في معركة إزاحة النظام الديكتاتوري من سدة الحكم في سورية، وبالنظر أيضا إلى النجاحات العلمية والاقتصادية التي أنجزها السوريون في بلدان اللجوء وفي مقدمتها تركيا التي اعتلى طلاب سوريون منصات التتويج في كثير من الجامعات والمدارس متفوقين على نظرائهم الأتراك.
السياسي التركي أوميت أوزداغ والذي عرف بتحريضه الدائم ضد اللاجئين السوريين في تركيا وتداول أكاذيب ومغالطات حول وجودهم أعلن قبل أسابيع قليلة تأسيسه لحزب النصر، في خطابه الأول كزعيم للحزب الذي غابت عنه تقريبا الرؤى حول السياسة الخارجية لتركيا من وجهة نظر الحزب الجديد أو الخطط الإصلاحية في مقابل التركيز كثيرا على مسألة اللاجئين في تركيا، إلا أن أوزداغ أكد أنه لا مشاعر ضغينة يحملها تجاه السوريين، لكنه فقط يرفض تقاسم بلاده مع السوريين.
يمكن القول إن توصيات والي بولو التركية قد قاربت في أثرها السلبي على اللاجئين السوريين في تركيا الأثر الناجم عن تصريحات الحكومة التركية في أنها قد أنفقت أربعين مليار دولار على اللاجئين السوريين
أيام قليلة فقط بعد خطاب أوزداغ تداولت وسائل إعلام تركية خبراً يزعم اعتداء لاجئ سوري في هاتاي - الولاية التركية الثانية من حيث عدد اللاجئين السوريين- على إحدى القياديات في حزب النصر، بعد انتشار تلك الأخبار هدد أوزداغ بأنه لن يتهاون مع أي اعتداء قد يطاول نواب حزبه وممتلكاتهم!
إلا أن الشرطة التركية في ولاية هاتاي نفت وقوع الحادثة، الأمر الذي دفع حزب النصر إلى إصدار بيان تبرأ فيه من مزاعم نائبته وتحويلها إلى لجنة تأديبية محاولا تفادي الفضيحة.
في مقابل حراك المعارضة التركية العنصري المتصاعد ضد اللاجئين السوريين، كان السؤال يدور حول كيفية استثمار الحكومة التركية لتلك الفضيحة، ولعل أمل السوريين كان معقودا على طرح الحكومة التركية مجموعة إجراءات تضمن محاسبة المسؤولين عن تصعيد الخطاب العنصري والمسؤولين عن محاولات تلفيق التهم التي تسيئ للسوريين في تركيا وتضاعف العنصرية ضدهم، إلا أن التوصيات التي قدمها والي ولاية بولو التركية للاجئين السوريين ونشرها الموقع الإلكتروني التابع للولاية كانت صادمة وأكثر من مخيبة للآمال.
التوصيات بعدم الإكثار من البهارات في الطعام، والعودة إلى المنزل قبل التاسعة مساء، وعدم التحديق في النساء، أقل ما يقال عنها إنها مهينة، في كونها تتماشى مع رواية بعض العنصريين في تركيا بأن الشعب السوري متخلف عن الشعب التركي عشرات السنوات، وعلاوة على أن التصريحات صادرة عن الوالي باعتباره الحاكم الفعلي للولاية والذي يعينه رئيس الجمهورية كمؤشر يضاعف قلق السوريين في تركيا، فإن خطورة التوصيات تؤكد غياب أي استراتيجية لدى الحكومة التركية للتعامل مع العنصرية ضد السوريين وما ينتج عنها من اعتداءات وجرائم.
يمكن القول إن توصيات والي بولو التركية قد قاربت في أثرها السلبي على اللاجئين السوريين في تركيا الأثر الناجم عن تصريحات الحكومة التركية في أنها قد أنفقت أربعين مليار دولار على اللاجئين السوريين، وفي ظل غياب قوانين وإجراءات فعالة وشفافة تواجه من خلالها الحكومة التركية تصاعد الخطاب العنصري ضد السوريين، يرجح أن يواجه السوريون في تركيا مصاعب أكبر، خصوصا مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي في تركيا والذي يعد اللاجئون السوريون فيه ورقة المعارضة الأساسية.