"العنف والنساء": العالم الافتراضي... مساحة آمنة للمرأة؟ (9)
باتت وسائل التواصل الاجتماعي ملاذا آمنا للمرأة العربية، إذ يتفق مختصون على أنّ هذه الشبكات الاجتماعية الحديثة أضحت تشغل حيزا كبيرا من حياة النساء، تحديداً في منطقتنا العربية، لأنها وفّرت وسيلة آمنة لكسر صمتهن بشأن ما يتعرّضن له من انتهاكات، ويمارسن فيه هامشاً من الحرية.
كما تبدو وسائل التواصل الاجتماعي، من وجهة نظر مختصين، الأكثر تصدّيا لهموم المرأة العربية، والأكثر مواكبة لحركة التغيّرات الاجتماعية المرتبطة بها، متجاوزة في ذلك وسائل الإعلام التقليدي التي ما تزال تحتفظ بأطرها التقليدية.
لقد وجدت المرأة العربية في وسائط الإعلام الجديد منصات أكثر حرية من عالمها الحقيقي للحديث عن قضاياها المختلفة، وعلى الرغم من كون العالم الافتراضي لا يختلف كثيراً عن الواقع الحقيقي من حيث الصدام بوجهة النظر الذكورية، إلاّ أنه أثبت نجاحه في مناصرة المرأة من قبل المجتمع تجاه العديد من القضايا، فانتشار الشبكات الاجتماعية أثار تساؤلات ثقافية واجتماعية وسياسية، وجدلاً واسعاً حول مشاركة المرأة في صناعة التغيير في العالم العربي، خصوصاً بعد أن وجدت النساء في هذه الساحة الرقمية متنفسّا يهربن إليه للتعبير عن رأيهن في قضايا، طالما كان محرّماً عليهن الخوض فيها.
وفي سياق الموضوع، تتحدّث السيدة سمر.ع من الجنسية اللبنانية للعربي الجديد: "لقد كنت أعاني من وضع اجتماعي سيئ جداً من خلال ارتباطي برجل مُعنّف، أمضيت سنوات من حياتي وأنا أتحمّل تصرفاته المُشينة، كالضرب والعنف الجسدي واللفظي، وبسبب القيود المجتمعية والسلطة الأبوية والذكورية، لم أتجرّأ على المواجهة والصراخ عالياً، إلى أن لجأت لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث استثمرت حسابي على موقع فيسبوك لنشر ما كنت أتعرّض له. هذا النشر خلق حالة من التضامن معي، وشكّل ضغطاً على الرجل الذي كان يتصرّف بطريقة سيئة ولاأخلاقية، وساعدني على الخروج من هذا البيت الزوجي عبر الدعم الذي تلقيته من منظمات المجتمع المدني".
وجدت النساء في الساحة الرقمية متنفسّا يهربن إليها للتعبير عن رأيهن في قضايا، طالما كان محرّماً عليهن الخوض فيها
وتذكر الناشطة الصحافية والناشطة النسوية علياء عواضة: "من دون أدنى شك، المنصات الرقمية ووسائل التواصل مهمة جداً في الوقت الحالي بكلّ القضايا، وليس فقط بالقضايا المتعلّقة بالمرأة، هذه المنصّات تشكّل عاملاً مساعداً لانتشار الرسالة والقضية على مستوى واسع، حيث كنّا سابقاً ننظّم التظاهرات والتجمعّات في الساحات المختلفة للمطالبة بتحصيل حقوق المرأة. وهنا كان ينحصر التفاعل مع العناصر البشرية الحاضرة في الميدان، أما الآن ومن خلال استثمارنا للمنصّات الرقمية، اتسعت المساحة الجغرافية التي يصل إليها صوتنا الذي يعبّر عن آلام ومعاناة المرأة العربية، وفي جانب آخر، أتاحت هذه المنصّات مشاركة القضايا ضمن مختلف البلدان العربية والاستفادة من التجارب الأخرى، بعد أن أتاحت المنصات الرقمية الدخول بشكل مُعمّق في قضايا المجتمعات الأخرى وتجارب الحركات النسوية فيها، علماً أنّنا قدمنا جهوداً جبارة في مكافحة الآفات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع اللبناني، كالتحرّش الجنسي والعنف ضد النساء، وفي الوقت نفسه، انتقلت التحدّيات التي نواجهها في العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي، من خلال العنف الرقمي والحملات الرقمية التي تستهدف الناشطات النسويات، لأنّها تنطلق من نفس العقلية والأفكار".
مما لا شك فيه أنّ المنصات الرقمية شكّلت عاملاً مساعداً وداعماً للمرأة العربية لطرح قضاياها المختلفة ومشاركتها بعيداً عن الجغرافية التي تتصل بها، وشجعتها لرفع الصوت بعيداً عن القيود المجتمعية وفكرة حارس البوابة. ومن جانب آخر، وُظّفت هذه الشبكات الاجتماعية من قبل الجمعيات والمنظمات النسوية لإقامة الحملات المناصرة للمرأة والفعاليات المختلفة، ومن جهة أخرى أيضاً، خلقت الساحة الرقمية آفة جدية من خلال انتقال عدوى الذكورة من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي، والذي تحوّل عنفاً رقمياً ضد النساء، تحديداً المرأة العربية.