المبادرات الخيرية والقيمة الإنسانية
تُشكّل الأخلاقيات الإعلامية أحد الأسس الرئيسية في مهنة الصحافة، بمعنى أنّ نزاهة الإعلامي والتزامه بالقيم المجتمعية أمر رئيسي في تطبيق أهداف المهنة التي هي في الأساس خدمة عامة تسعى إلى خير المجتمع من خلال تزويد الجمهور بالوقائع والمعلومات، وتعمل بشكل عام لأجل المجتمع وفي سبيله. لذلك، وفي كلّ مرّة، لا يضع الصحافي نصب عينه المصلحة العامة ومصلحة المواطن والإنسان وخصوصيته في معالجة موضوع ما، يكون خارج رسالة الصحافة برأيي.
ومع التطوّر التكنولوجي الذي حصل في السنوات العشر الأخيرة، خاصة مع ظهور الإعلام الرقمي والاجتماعي والمساحة التي احتلتها وسائل التواصل الاجتماعي في كونها مصدراً أساسياً للخبر من جهة، وللنشر من جهةٍ أخرى، برزت الحاجة أكثر إلى الأخلاقيات الإعلامية ومراعاة النشر وخصائصه.
في الآونة الأخيرة، ومع اشتداد الأزمة المعيشية في لبنان وبعض الدول العربية، تفاقم ظهور المبادرات الخيرية لمساعدة الفقراء والمحتاجين، من خلال بعض البرامج الاجتماعية على شاشات وسائل الإعلام التقليدي أو مبادرات فردية لناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
مما لا شك فيه، تُعتبر هذه المبادرات قيمة اجتماعية جميلة ومُقدّرة وتعزّز فكرة التضامن والتكافل الاجتماعي، لكن ثمّة أمرا تجاوز الخطوط الحمراء، سواء على صعيد أخلاقيات المهنة الإعلامية وما تنشره بعض وسائل الإعلام التقليدي، أو ما يقوم به الناشطون الرقميون، أو من تطوّع لإطلاق حملات اجتماعية لمساعدة الفقراء، من خلال اختراق خصوصية الناس عبر تصوير مقاطع فيديو أو صور يحصل مقابلها هؤلاء الأفراد على مساعدة مالية أو عينية.
ليس هناك أجمل من صدقة السر واحترام خصوصية الإنسان وتقديره
وبالعودة للفكرة الرئيسية المرتبطة بأخلاقيات الإعلامي، نسعى هنا لتسليط الضوء أكثر على أداء بعض الإعلاميين، تحديداً على المنصّات الرقمية، والذين يشاركون في الحملات الاجتماعية وطلب المساعدات عبر حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. تصاعدت أخيراً وتيرة هذه الظاهرة، أي أن نرى صحافيا (إعلاميا، مذيعا...) يقوم بتقديم المساعدة لفقير ويلتقط له صوراً أثناء تسلّمه المساعدة، فما الهدف من ذلك؟ وما هي الرسالة المُراد إيصالها للجمهور؟ قد لا أرى في ذلك غير انتهاك خصوصية هذا الإنسان المحتاج ومخالفة أسمى القيم الإنسانية، والأسوأ من ذلك عندما يضطر ذلك المحتاج للتعاون والموافقة على التقاط الصور أو الحديث أمام الكاميرا، ظنّاً منه أنّ ذلك شرط لتلقّي المساعدة، وهنا يكون قد تعرّض للابتزاز بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وماذا عن حرمة هذا الإنسان ومشاعر أقاربه أو أبنائه؟
ليس الهدف من الحديث هنا قطع أو إيقاف المبادرات الخيرية أو الفردية التي تحتاجها شرائح كبيرة من النسيج اللبناني أو العربي، ولكن الهدف من ذلك التصويب على أخلاقيات ومبادئ المهنة في التعاطي مع هذا الموضوع، سواء عبر الإعلام التقليدي أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والقول إنّ كلّ هذه المبادرات مطلوبة ومفيدة مع مراعاة الإطار الأخلاقي والإنساني، فليس هناك أجمل من صدقة السر واحترام خصوصية الإنسان وتقديره، ومهما قست عليه الظروف تبقى القيمة الإنسانية أكبر وأسمى من أي مرتبة اجتماعية.