المعايير الأخلاقية اللازمة للنشر في الفضاء الرقمي
العصر الرقمي، الفضاء الرقمي، المنصات الرقمية.. باتت من أكثر العبارات تدوالاً في الحياة اليومية والمحافل العامة. ومما لا شك فيه، أنّ هذه التطبيقات بتنوّعها، أتاحت للإنسان حرية الوصول إلى المعلومات في أيّ وقت، وفي أيّ مكان، وفي كلّ ما يحتاجه المرء من أخبار ومعلومات، كما مكّنته أيضاً من حرية إطلاق المعلومات، إذ أصبح بإمكانه أن يرسل ما يرغب من أفكار، الأمر الذي يعزّز المعرفة ومنسوبها.
وبالرغم من الإيجابيات التي رافقت انتشار شبكة الإنترنت وميّزاتها من تطبيقات إعلامية وإتصالية والمنفعة المترتبة عليها حول العالم، فإنّ هذا الأمر تقابله سلبيات عديدة، جاءت نتيجة استغلال البعض لهذا الوسيط الاتصالي لتحقيق أغراض مريبة ومشبوهة وغرف سوداء تعمل خلفها، تتنافى مع الأخلاق وتُشكّل تجاوزاً واضحاً للقوانين.
إذ إنّ عدم إمكانية فرض رقابة شاملة وحقيقية على المحتوى الذي توّلده شبكات الإنترنت (ودعونا نحدّد أكثر فيما يخص وسائل التواصل الاجتماعي)؛ سواء على مستوى الصفحات العامة أم الشخصية والمؤثرين في هذه الساحة، وغياب القدرة على الضبط، سمح بعمليات الاستغلال وترويج الشائعات وانتشار الأخبار الكاذبة والتشهير بالآخرين وانتهاك خصوصية الغير وسرقة المعلومات وصولاً إلى انتهاك الملكية الفكرية.
الفضاء العام ليس مساحة لانتهاك الخصوصيات، ولا يعطينا حقاً في نشر صور الأفراد، وخاصة الأطفال
قد يكون هذا المحتوى مُكرّرا وقديما وكُتب عنه كثيراً في السنوات الماضية، ولكن التجاوزات التي تطاول الإنسان وكرامته، تتصاعد في الفضاء الرقمي، خصوصاً في ظلّ الأزمات الإنسانية والحروب والكوارث التي تعصف بالعالم، مما يوجب علينا التذكير دائماً بالمعايير الأخلاقية اللازمة لضبط المحتوى على هذه الوسائط. وطالما من المستحيل ضبط الشبكات الافتراضية بشكل مطلق، فعلينا في هذه الحالة أن نذهب إلى رقابة ذاتية نفرضها على أنفسنا في التعاطي والتفاعل مع المعلومات والمحتوى الناتج عن تطبيقات التواصل الاجتماعي الذي نتلقاه، وما نرسله أيضاً.
وانطلاقاً من الأخلاقيات المهنية للعاملين في المجال الإعلامي، أو حتى المؤثرين في هذه المساحة وصولاً إلى روّاد هذه المواقع عموماً، لا بد من مراعاة النقاط الآتية:
(1): التأكّد من دقة المعلومة وصحّتها ودقة البيانات والوقائع.
(2): الرجوع للمصدر الرئيس للخبر أو المعلومة.
(3): التريّث وعدم استباق الجهات الرسمية، خاصة الصحية والأمنية وقت الأزمات.
(4): عدم النقل عن شبكات التواصل الاجتماعي قبل التثبت من المصدر، وذكر المصدر بشكل واضح.
(5): عدم المبالغة والتهويل وعدم التسرّع في النشر.
(6): عدم خلط المعلومة بالرأي مع وضوح الفرق بين الاثنين.
(7): عدم التعاطي مع الصفحات المشبوهة والزائفة والنقل عنها أو التفاعل معها.
(8): احترام خصوصية الآخرين وعدم التشهير أو الإساءة للآخر واحترام الأديان وممارساتها.
(8): مراعاة الحساسية الأمنية والمجتمعية عند النشر.
يجب أن نسعى دائماً لتمكين وتحصين الساحة الرقمية، لا سيمّا في عالمنا العربي الغارق بالمآسي والآلام
لا نتحدث هنا فقط عن معايير الصحافي باعتباره ناشراً على وسائل التواصل الاجتماعي، بل هذه المعايير تعني وتخصّ كلّ الحاضرين والمتفاعلين على المنصات الرقمية، لأنّ ما يحصل على الشبكات التواصلية مرعب، فالخصوصيات تُنتهك والأخبار الزائفة تنتشر وغيرها من الآفات والظواهر. ومن المؤسف أن نجد بعض الناشرين في مستويات مجتمعية عالية أو صحافيين وناشطين، وفي بعض الأحيان حقوقيين يغفلون، أو ربّما لا يلتفتون لهذه المعايير.
إنّ خصوصية بعض الأفراد، سواء لناحية موقعهم الاجتماعي أو المهني، لا تشكل مظلّة على اعتبار أنّ منشوراتهم محقّة وغير مخالفة للقيم والأخلاق الإنسانية. فالفضاء العام ليس مساحة لانتهاك الخصوصيات، ولا يعطينا حقاً في نشر صور الأفراد، وخاصة الأطفال، أو حتى ذكر الأسماء، مهما كانت الأهداف ومهما اختلفت القضايا.
اليوم وغداً وبعده، يجب أن نسعى دائماً لتمكين وتحصين الساحة الرقمية، لا سيمّا في عالمنا العربي الغارق بالمآسي والآلام.