بشّار الأسد أو عندما يُكرّم الجلّاد وتُجلَد الضحية
غريبٌ عجيبٌ أمر الدول وأنظمتها وسياستها، فقط من أجل مصالحها تُرحّب بالجلاّد وتجلد الضحية، تُمجّد الظالم وتُحاصر المظلوم، ترفعُ القاتل وتُبيد القتيل.
تجتاحك الحيرة وأنت تشاهد القمّة العربية الإسلامية التي عُقدت بالرياض، وهي تستضيف رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وتضعه في الصفوف الأمامية، فيما هي تشجب وتدين الإجرام والقتل والإبادة الصهيونية في غزّة. وتحتار أكثر وأنت تتابع مشاهد المصافحة والتهليل والتأهيل بالأسد من قبل الزعماء العرب، قبلات وابتسامات ولقاءاتٍ ثنائية وثلاثية، وكأنّ ثلاثة عشر عاماً من الدمار والقتل والتهجير تبخّرت بكبسة زر، وولد الأسد من جديد في عيون العرب خالياً من الجرائم والدماء.
دخل الأسد قاعة القمّة بكلِّ ثقةٍ وجبروت وقوّة، يمشي على أشلاء الأطفال والنساء وضحكته تملأ وجهه وعينيه، وضع في جيبه خطابًا بليغاً يحضّ على وقف المجازر والإبادة الجماعية في غزّة ولبنان، ويدعو لوقف الحصار والتجويع والتهجير الصهيوني في قطاع غزّة.
هو نفسه الذي أمعن خلال ثلاثة عشر عاماً بقتل الشعب السوري والأطفال وهجّر الناس من بيوتها واستولى عليها، ودمّر المدن والبلدات تحت حجّة الإرهاب، يُحاضر اليوم بالعفة والإنسانية والديمقراطية، ويدعو حليفته في الجرائم إسرائيل إلى الكفّ عن ممارساتها!
بشّار الأسد الذي دمّر المدن والبلدات تحت حجّة الإرهاب، يُحاضر اليوم بالعفة والإنسانية والديمقراطية
ظنّ الأسد أنّ حضوره القمّة وصورته مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومصافحته بعض الزعماء العرب، تُنسي العالم الحرّ ما ارتكبه في سوريا منذ 2011، وخُيّل له أنّ الغطاء العربي سيمسح له سجل جرائمه اللامتناهية من الذاكرة السياسية والإنسانية، ويجري تنصيبه بطلاً عربياً قومياً دافع عن شعبه وبلده حتى الرمق الأخير.
ظن أنّ بكلماته وبياناته الشاجبة سيتحوّل إلى بطل وأسطورة أو إلى يحيى سنوار آخر قاوم بكلِّ ما يملك حتى الرمق الأخير من أجل حرية شعبه، نسي الأسد أو ربما تناسى أنّ الكلمات لا تصنع رجالاً وأبطالاً.
هؤلاء الزعماء الذين استقبلوا الأسد ورحّبوا به، هم أنفسهم يشنون هجوماً على حركة حماس التي تُدافع بكلِّ ما أوتيت من قوّة عن شعبٍ مظلوم احتُلت أرضه وسُلبت حقوقه ويتعرّض للقتل والإبادة والحصار والتجويع من قبل عدو محتل مغتصب ومجرم، ويصنّفونها منظمة إرهابية، ولا يعترفون بها، ويتهمونها بأنّها تنتمي لأذرع إيران في المنطقة، ويضيّقون الخناق عليها بحجة أنّ وجودها يشكّل زعزعة للأمن القومي العربي، في حين أنّ الأسد الذي حمته إيران وسلّحته وموّلته يُرحبون به ويأخذونه بالأحضان.
تعتبر الدول العربية، وخاصة الخليجية، أنّ إيران تُهدّد الاستقرار العربي في المنطقة، وتحمل مشروعاً احتلالياً استعمارياً للدول العربية، ويشنون الهجوم عليها على الشاشات بينما يستضيفون رئيسها، وحليفها الأوّل الذي لا يملك اتخاذ قرار أو موقف دون موافقة طهران.
يظنُّ هؤلاء أنّ القوّة تصنع الحق وتنتصر، لكنهم مع الوقت ومرور الأيام سيدركون جميعاً أنّ الحقَ وحده يصنع القوّة وينتصر، وإنّ غداً لناظره قريب...