ترامب كان أخطر من كورونا المستجد
وأخيرا انتهى كابوس ترامب، بكل ما جره ذلك الرئيس على العالم من خراب وتخريب، خاصة على عالمنا العربي، سقوطه أهم مِن نجاح بايدن، ففيه معان ودلالات عدة. فهو سقوط للخطاب الشعبوي اليميني المتطرف وانحسار وتراجع لليمين في أوروبا، هو كذلك انفراط لعقد تحالف الشر "الصهيوعربي"، هو أيضاً هزة أرضية لنتنياهو ، فضاء أفضل للمدافعين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأخيرا لا أحد يتحدى فلسطين إلا ويهزم.
نكره أميركا لسياساتها الإمبريالية وجملة البلدان العربية وغير العربية التي تسببت في تدميرها وقتل عشرات الآلاف مِن الأبرياء فيها، لكن ديمقراطيتها الداخلية مبهرة، فهي دولة فيها مؤسسات وسياسات، ومراجعة ومحاسبة وصوت انتخابي لا يزور، تتراجع طبعا، لكنها لا تنهار سريعا، تنطبق عليها السنن ذاتها التي تنطبق على كل الإمبراطوريات في الصعود والهبوط، لكنها تؤكد لنا دوما أن الديمقراطية هي النموذج الأكثر رشدا مِن بين جملة نظريات السلطة والحكم والسياسة.
بالمقابل فإن ما شهدناه في الانتخابات الأخيرة مذهل ومثير للقلق رغم انتصار بايدن، فيبدو أن ترامب ظاهرة وليس شخصا، وتكمن خطورة ذلك في حجم القاعدة الصلبة والناخبين الذين ناصروه وانتخبوه وأصروا على فوزه، بكل ما يعني ذلك مِن إسناد لأفكاره وممارساته العنصرية وغير الديمقراطية، فالخلل في المجتمع ذاته، وليس الانتخابات فقط، وهنا يبرز حجم المهام الملقاة على المؤمنين بالديمقراطية عبر العالم بالتضامن في إصلاح العطب الذي أصاب ليس المجتمع الأميركي فقط، بل عبر العالم عبر مزيد من الجهود لنشر ثقافة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات والعدالة والتأكيد على مفاهيم العيش المشترك.
إن رحيل ترامب يفتح شباكاً يتنفس منه كثيرون، فلم يكن جورج فلويد الوحيد الذي لم يتمكن من التنفس، هناك ملايين البشر في العالم العربي تحديداً لا يستطيعون التنفس تحت سطوة وقهر حلفاء ترامب
في الدول العربية كانت سنوات ترامب الأربع الأخيرة كفيلة بكشف حجم الضرر الذي أصاب المنطقة، فقد استغل عدد من الحكام المستبدين وجود رئيس كترامب في أكبر دولة في العالم في المضي إلى حدود غير معقولة في القمع والبطش والتنكيل بالمعارضين، وازدراء الآخر، وإذكاء العنصرية والتنمر ضد كل الناشطين والصحافيين والمعارضين والمختلفين معهم، كما شكلت تلك العواصم حلفا للقمع والقهر مارست فيه كل أنواع المحرمات والموبقات السياسية وغير السياسية، وانتهت للتحالف مع العدو المركزي للأمة والتطبيع معه، وتشريع وجوده في الخاصرة العربية، تلك النظم وأولئك الطغاة كانوا أُجَراء عند ترامب، يتنمر عليهم ويشتمهم، وحيث إنهم يشعرون بالدونية تجاهه فإنهم يقومون بالمقابل بتفريغ أمراضهم على شعوبهم، بطشا، وقهرا ، وويلات.
إن بايدن ليس قسيسا، ولا داعية سلام ولا مناضلا من أجل الحرية، لكنه على الأقل ليس عنصريا، أو هكذا يقول، فاحترام حقوق الإنسان والتأكيد عليها هو أمر بالغ الأهمية، أما عدم احترامها والحث على انتهاكها كما كان يفعل ترامب فهو وصفة وتشريع وشيك مفتوح لكل لقتلة والطغاة حول العالم ، وحيث إننا في بقعة جغرافية ما زالت تتلمس خطاها باتجاه الديمقراطية، وتعرضت لانتكاسة في العشرية الماضية، وانقلابات وحروب، فإن عدم وجود شخص كترامب على رأس أكبر دولة في العالم هو خبر جيد بالضرورة.
وفي ما يتعلق بملفات المنطقة، فإن أول انعكاس بتقديري هو فقدان حلف الشر العربي لترامب الذي كان يشبهه، وحوّل البيت الأبيض من مؤسسة للحكم إلى مزرعة لابنته وزوجها وأصدقائه من محامي العقارات وتجارها، فستكون مهمة ذلك الحلف أصعب بالضرورة في أخذ الضوء الأخضر بغزو الجيران على سبيل المثال كما حصل في محاولة تلك الأنظمة الإغارة على جارتها قطر، كما أن التستر على جريمة تصفية كقتل وتقطيع الصحافي الراحل جمال خاشجقي ستكون هي الأخرى أمرا صعبا كذلك، والتطبيع وإكراه الدول العربية على الارتماء في أحضان تل أبيب في ابتزاز رخيص مقابل حفنة من المال ستصبح أكثر صعوبة وكلفة، كما أن كوشنر لم يعد متاحا ليتصلوا به على جواله الخاص ليلا لأخذ الموافقات وحبك المؤامرات، فزوجته باتت ابنة لرئيس مطرود ومنبوذ، وهو في أحسن أحواله سيذهب لدبي أو الرياض للعمل كسمسار عقارات.
إن رحيل ترامب يفتح شباكا يتنفس منه كثيرون، فلم يكن جورج فلويد الوحيد الذي لم يتمكن من التنفس، هناك ملايين البشر في العالم العربي تحديدا لا يستطيعون التنفس تحت سطوة وقهر حلفاء ترامب، مات كثير منهم بصمت، وما زال كثيرون يحاولون التقاط أنفاسهم، فوباء ترامب وحلفائه العرب أكثر خطورة من وباء كورونا.